على ما يبدو أن المسيرة الإيرانية التي كانت تمضي بشكل حثيث نحو القنبلة النووية قد اضطرت الأسبوع الماضي إلى تغيير مسارها، وذلك عندما أعلنت طهران أنها سوف تمتثل لتفتيشات نووية جديدة، وأنها ستقوم مؤقتا بتعليق برنامج تخصيب اليورانيوم الخاص بها، والقادر على إنتاج المواد اللازمة لصنع أسلحة نووية• الخطوة الإيرانية مرحب بها، ولكنها يجب ألا تقودنا إلى شعور زائف بالاطمئنان نحو تهديد انتشار الأسلحة الإيراني، أو إلى ثقة لا مسوغ لها فيما يتعلق بإجراءات عدم الانتشار المتخذة حاليا بواسطة إيران، بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي وقعت عليها عام 1970 •
وقد قامت إيران باتخاذ الإجراءات الأخيرة لأن كلا من فرنسا وبريطانيا وألمانيا قامت بحثها على ذلك،ولأنها كانت مطالبة بالقيام بتلك الإجراءات قبل 31 من الشهر الجاري، وهو التاريخ النهائي الذي وضعته الوكالة الدولية للطاقة الذرية كي تقوم إيران قبل حلوله بالموافقة على إجراء التفتيشات، وذلك بعد أن قامت إحدى جماعات المعارضة الإيرانية بالكشف عن برنامج طهران السري للحصول على المواد اللازمة لإنتاج قنبلة نووية، وتم التأكد من صحة ذلك، من قبل الوكالة التي اكتشفت أن إيران كانت تقوم سرا ببناء منشأة لتخصيب اليورانيوم، ومصنعا للماء الثقيل، وهما المادتان اللتان يمكن استخدامهما لتصنيع الأسلحة النووية• كل تلك الأشياء، تعتبر مخالفات للالتزامات المفروضة على إيران بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي تعهدت بموجبها بالتخلي عن محاولاتها لإنتاج تلك الأسلحة• وقد اعترفت إيران في هذا الصدد بأنها قد قامت باستيراد اليورانيوم من الصين في التسعينيات، وأنها قد ضبطت متلبسة بالكذب مرارا أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بأنشطتها النووية•
بيد أن إيران تنكر أنها كانت تعمل من أجل إنتاج قنبلة نووية، وتزعم أن المنشأتين الخاصتين بتخصيب اليورانيوم، واللتين يمكن استخدامهما إما لإنتاج الوقود اللازم للطاقة النووية، أو لإنتاج المواد اللازمة لإنتاج الأسلحة، كانتا تستخدمان لإنشاء منظومة طاقة كهربائية نووية كبيرة• وإذا ما أخذنا في اعتبارنا أن إيران دولة غنية بالنفط والغاز، وأنه كان لديها مفاعل روسي -لم يتم الانتهاء من بنائه بعد- وكميات قليلة من خام اليورانيوم في أراضيها، فإننا يمكن أن ندرك أن تلك المزاعم غير موثوق بها• ومما يؤكد ذلك أن وزير الخارجية الأميركي “كولن باول” قد صرح في الآونة الأخيرة بأن الوكالة الدولية للطاقة النووية “قد عثرت على أدلة قاطعة تثبت أن إيران تحاول إنتاج مادة يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية”•
قصارى القول، إنه قد تم الإمساك بإيران وهي متلبسة بمحاولة إنتاج أسلحة نووية باتباع أساليب متنوعة، وذلك على مدى فترة طويلة قامت خلالها بخروقات عديدة للتعهدات التي التزمت بها بموجب معاهدة حظر انتشار تلك الأسلحة• وإذا ما أخذنا في اعتبارنا وضوح هذه القضية، فإنه كان طبيعيا أن نتوقع من المجتمع الدولي بناء على ذلك، أن يقوم بالعمل فورا، وبشكل قاطع، من أجل إيقاف محاولات الانتشار النووي الإيرانية هذه• لسوء الحظ أن هذا لم يحدث ، حيث رأينا كيف ترددت الوكالة الدولية للطاقة النووية لشهور، لم تقم خلالها بأي عمل، وكيف ظلت إيران تداهن كي تعود مرة أخرى إلى حظيرة المعاهدة• البروتوكول الإضافي الذي وافقت إيران على التوقيع عليه الأسبوع الماضي، ينص على إجراء المزيد من التفتيشات• غير أن الأمر غير الواضح على الإطلاق، هو ما ذا كانت تلك التفتيشات ستكون كافية لمنع إيران من الحصول على قدرات نووية أم لا؟ يرجع السبب في ذلك إلى أن هذا الشيء على وجه التحديد يتوقف على قيام طهران بتقديم الحقائق• يمكننا أن ندرك ذلك إذا عرفنا أن المفتشين ما زالوا في حاجة إلى الاعتماد على ما تقوله لهم إيران بشأن مواقع منشآتها النووية، وعلى تعاونها معهم بالقدر الذي يسمح لهم بحرية الوصول والدخول إلى تلك المنشآت• في حالات قصوى مثل حالتنا هذه، تعلمنا من التاريخ أننا يجب أن نكون متشككين نحو التطمينات التي يقدمها لنا الطرف المعني بشأن التزامه مستقبلا بتعهداته• علاوة على ذلك فإن الألاعيب التي لجأت إليها كل من كوريا الشمالية، والعراق تبين محدودية فاعلية إجراءات التحقق التي يتم القيام بها وفقا لبنود معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، عندما يتم التعامل مع دول تنتهك تلك البنود بوضوح وتصميم •وإذا ما أخذنا في اعتبارنا أسلوب الخداع الإيراني، القائم على الإنكار والمماطلة، فإننا نقول إن ذلك الأسلوب يجب أن يدعو المجتمع الدولي للاستعداد لاتخاذ إجراءات تتسم بقدر أكبر من الفاعلية• ويتوقف هذا على إرادة المجتمع الدولي بقدر أكبر مما يتوقف على الآليات القانونية لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية• وعندما تواجه بحالة صارخة مثل الحــــــالة الإيرانيـــــــــة، فإن الـــــــولايات المتحــــــدة -والدول الحليفة التي تفكر بالطريقة نفسها- يجب أن تفكر في استخدام مجلس الأمن ا