لا تزال «توابع زلزال» أخبار بيع جامعة الخرطوم (أم الجامعات السودانية) تلقي بظلالها على الجو المتوتر أصلاً بين الحكومة والمعارضة السياسية في السودان، رغم البيان المقتضب الذي أصدره مجلس الوزراء عقب «جلسة طارئة» برئاسة الرئيس عمر حسن البشير. وكل يوم يطالع السودانيون معلومة جديدة في هذا المسلسل تؤكد أن البيع قد تم فعلاً، لكن ليس بالصورة التي اعتقدها الناس في بداية الأمر. وآخر هذه المعلومات الجديدة ذلك المقال الموثق الذي نشرته مهندسة سودانية (تقيم في لندن)، وذكرت فيه أنها بحكم عملها في شركة هندسية إيطالية طلب منها مخدومها وضع دراسة جدوى ورسومات لمشروع استثماري سيقام في مكان جامعة الخرطوم والأراضي التابعة لها. حسب المقال التفصيلي الذي نشرته المهندسة السودانية، يظهر أن البيع تم فعلاً، لكن ليس لمستثمر أردني -كما قيل بداية- وإنما لشركة سودانية مسجلة في الخرطوم، ويملك الحصة الأكبر من أسهمها وزير سيادي سابق وقيادي كبير في حركة «الإخوان المسلمين»، وقد لعب دوراً كبيراً في أيام «ثورة الإنقاذ» الأولى ضمن تنظيم عسكري شعبي أنشأه «الإخوان» لمساندة القوات المسلحة، مما أهله بعد المفاصلة أن يصبح مسؤولاً كبيراً. وأضافت المهندسة في مقالها أن الشريك الأول للوزير السيادي ضابط أمن متقاعد، وله هو أيضاً «ميزات» أهلته لأن يصبح أحد أعمدة جهاز الأمن الجديد، وكان فرداً في جهاز أمن نظام مايو. المهندسة قالت في مقالها إن الحكومة والمشترين يعملون وفق الرسومات التي أعدتها الشركة الإيطالية بناءً على طلب المشترين. الحكومة التي نفت بيع الجامعة، وقالت: إنه ليس هناك حتى «تفكير» في ذلك الأمر، لم يصدر عنها أي بيان لنفي هذه المعلومة، وتجاهلت الجو المتوتر الذي لم يعد قاصراً على طلاب جامعة الخرطوم ورابطة الأساتذة، بل جذب فئات وتنظيمات نقابية وحزبية وأصحاب مظلوميات قديمة.. الأمر الذي ضاعف من غضب السودانيين. إن صفقة كهذه تجري سراً في الغرف المغلقة ولا يعلن عنها قبل توقيعها، بالمخالفة للقانون الذي يلزم الوزارات والمصالح الحكومية بالإعلان عن أي بيع أو شراء حكومي، أو ما كان يعرف في العهد الديمقراطي بالعطاءات الحكومية، والتي كانت تنشر إعلاناتها في ثلاث صحف سودانية. الحكومة تواجه اليوم جواً متوتراً زاده اشتعالاً ما حدث في جامعة كردفان، حيث دخلت قوات الأمن «الحرم الجامعي» واصطدمت بالطلاب، مما أسفر عن مقتل أحدهم واعتقال العشرات، واستمرت تطارد الطلاب حتى في قراهم وجرى اختطاف أحدهم. وهي تواجه توتراً أشد حدة مع النقابات التي تقودها لجان لا تعترف بها الحكومة، مثل لجان نقابات العاملين في القطاع الصحي والمهندسين والمحامين، ولهم جميعاً مطالب ومظلوميات قديمة حيال قوات الأمن. كما تواجه غضباً وتوتراً شعبياً جراء قرارها التعسفي بزيادة سعر السكر، المادة التي لا غنى عنها للفقراء والأثرياء من السودانيين. لكن كل هذا التوتر والغضب، والمظاهرات التي وصفها أحد الكتاب بأنها بدايات الانتفاضة الثالثة (الأولى في أكتوبر عام 1964 والثانية في أبريل 1985)، لا يعني للحكومة أي شيء، فهي حكومة جاءت باغتصاب الحكم الديمقراطي، وكان شعارها كما قال الرئيس البشير يوماً «احنا جانيا الحكم بالبندقية والعايز يجي بنادقو».. وكان الله في عون السودانيين.