أراد الرئيس باراك أوباما أن تركز عناوين الصحف الصادرة الأسبوع الماضي على الانتصار الدبلوماسي الذي حققته الولايات المتحدة، حيث استطاع إقامة علاقة جديدة مع كوبا، بيد أن سعادته في هافانا طغت عليها التفجيرات الإرهابية في بروكسل والمخاوف من حدوث مزيد من الهجمات. هذا التحول في الأحداث سرعان ما استولى على سجل السياسة الخارجية لأوباما: نجاح في الدبلوماسية وخيبة أمل في الحرب. لقد حقق أوباما بعض الإنجازات الحقيقية باستراتيجيته الدبلوماسية للمشاركة: ويتجلى هذا في فتح العلاقات مع كوبا، وإبرام اتفاق نووي مع إيران، وتشكيل تحالف أقوى مع فيتنام وغيرها من دول جنوب شرق آسيا. ورغم ذلك، فقد كان أوباما أقل فعالية بشكل لافت للنظر في مزج الدبلوماسية بالقوة لتحقيق الاستقرار في بعض أجزاء العالم حيث لا يكون اللاعبون غير مهتمين بالمشاركة السلمية، خاصة في المناطق الساخنة بالشرق الأوسط. وبعد أن أمضى أوباما سبع سنوات في السلطة، ما زال ينتقد الأخطاء التي ارتكبها سلفه بوش الابن، وقال في مقابلة أجراها معه مؤخراً جيفري جولدبيرج من مجلة «ذي أتلانتيك»: «الفكرة القائلة بأنه في كل مرة تحدث مشكلة ينبغي أن نرسل جيشنا لفرض النظام، تبدو لي فكرة غير ذكية»، وهذا تصور محق، لكنه خاطئ أيضاً، حتى السناتور جون ماكين، وهو أكثر المتحمسين للتدخل في شؤون الدول الأخرى، لا يؤيد إرسال قوات «في كل مرة تحدث فيها مشكلة»! ومقاومة أوباما للتدخل لها ثمن، حتى أن بعض المخضرمين في إدارته يشيرون إلى أن انسحابه المتسرع من العراق ورفضه دعم المعارضة المسلحة في سوريا، أعطى تنظيم «داعش» المساحة التي يحتاجها للنمو، وقد كتبت مسؤولة الخارجية الأميركية السابقة «تمارا ويتس» مؤخراً أن «أوباما كان يخشى السقوط في الهاوية حال التنافس مع بشار الأسد في سوريا، بيد أن الحرب ضد داعش هي أخطر المنحدرات»، واستطردت قائلة: إن «من الواضح أن التقاعس ليس أفضل من العمل.. إنه اختيار له عواقبه». ورغم أن أوباما يريد الشعب أن يتذكر العلاقات الجديدة التي أقامها مع كوبا وإيران، فإن إرثه سيشمل لا محالة العراق وسوريا أيضاً. وبعد أن اجتاح مقاتلو «داعش» شمال العراق في عام 2014 وهددوا بغزو بغداد، شن أوباما ضربات جوية ضد التنظيم وأرسل مجموعة صغيرة من مستشاري الجيش الأميركي لدعم القوات العراقية. وازداد عدد المستشارين إلى نحو 5000 في العراق، بالإضافة إلى 50 من قوات العمليات الخاصة على الأرض في سوريا، حيث مقر تنظيم «داعش»، وكانت مهمتهم تهدف إلى تقديم المساعدة أكثر من الحلول محل القوات المحلية، فقد كان أوباما يريد تجنب جعل القوات الأميركية مسؤولة عن المعارك البرية مرة أخرى. لذا، كان التقدم بطيئاً، وعندما بدأت العملية الأميركية، قال القادة إن الأمر سيستغرق نحو خمس سنوات لهزيمة «داعش» (من 2014 إلى 2019). وكان هذا يهدف إلى توفير الوقت لتدريب القوات المحلية على الأرض. وعندما اقتصرت عمليات «داعش» على سوريا والعراق، بدا هذا مثل جدول زمني معقول، وإن كان طويلاً. والآن، وقد انتشرت قوات «داعش» إلى بلدان أخرى وامتدت حربها في أوروبا، مع تأثير مدمر، فإن وضع جدول زمني مدته خمس سنوات يبدو أقل عقلانية. لذلك، حتى إذا كانت هناك عقيدة لأوباما، على الأقل في الشرق الأوسط، فإن الأمر يمضي على النحو التالي تقريباً: حافظوا على الالتزامات العسكرية الأميركية محدودةً، لكن كونوا مستعدين لخيبة الأمل عندما يتمخض العمل المحدود عن نتائج متواضعة. وأحياناً يبدو أوباما كما لو أنه يريد تركيز اهتمام الأميركيين بعيداً عن الأعداء غير القادر على كبحهم. وقد ذكر لجولدبيرج أن «داعش ليس تهديداً وجودياً للولايات المتحدة، لكن التغير المناخي هو تهديد وجودي للعالم بأسره»، وهو يفضل العمل على الدبلوماسية في أكثر المناطق الواعدة في العالم، والتحدث مع شباب رجال الأعمال في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. لقد تولى السلطة وهو عازم على وضع الدبلوماسية في مركز السياسة الخارجية للولايات المتحدة والحد من الاعتماد على القوة العسكرية، وقد حقق ذلك، غير أنه لم يتمكن من حل أصعب لغز: ما الذي يمكن عمله بشأن أكثر الأماكن خطورة في العالم، أي الدول الفاشلة في الشرق الأوسط؟ ستبقى هذه المشكلة لمن يأتي بعده لعله يبحث لها عن حل. وسيمضي الرئيس بقية العام في التأكيد على أن سياسته قد نجحت، أو على الأقل أن البدائل كانت أسوأ، والآن، فإن الدرجة التي يستحقها هي درجة غير مكتملة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»