تأتي الأحداث الجديدة المتلاحقة في عدد من البلدان العربية، لتدل على ما قد نصوغه بتمخض عميق لحدث مهم في العالم العربي، بعد مرور عقود من الانكسارات وخيبات الأمل في بلدان عربية تكاد تكون قد شكلت حالة أو دورة جديدة من التحولات التاريخية، نعني بذلك ما يواجهنا الآن من «انحطاط» نوعي للعالم مع نشوء الظاهرة «الداعشية». واللافت أن هذه الأخيرة تفصح عن نفسها في سياق نشأة «العولمة» وتمددها أولاً، وعلى وقع التفجرات العربية المفتوحة ثانياً، التي جاءت لتُعبر عن الإخفاق التاريخي المريع للمشروع العربي ولمشاريع «العالم الثالث» عموماً. لقد أخذت الأحداث العالمية والإقليمية والمحلية تتطور سلبياً، بحيث أفضت إلى ولادة التسونامي الجديد، الذي قلب العالم على قفاه، وهذا ما يسمح لنا أن نضبط الفاعل الأول الكبير كونياً فيما يحدث، وهو المتمثل في «النظام العولمي» من طرف، وأن نمسك بزمام الحطام العربي وبما قد يؤول إليه عربياً من تحولات نوعية عظمى من طرف آخر. فالأمران يراد لهما أن يحققا «دورة تاريخية» جديدة نوعياً في العالم العربي، كما في الشرق الأوسط. وإذا انطلقنا من الإخفاق المركب والشامل والمريع لمشاريع العالم الثالث (وهنا يعود ثانية هذا المصطلح)، فإننا نواجه حالة من قلب الدائرة عربياً: إن المشروع الإيراني الذي يجسد أحد أهداف القوى الاستغرابية الظلامية والسائرة في ركاب بلد أو آخر موتور تاريخاً وراهناً، يجد نفسه في حمى «الثائريين» الجدد الفاعلين باتجاه الانتقام ممن حاول، مبكراً رد الاعتبار لمن أخفق في إذلال العرب، وخسر من ثم معركة «تاريخية» هي معركة القادسية هكذا، حاولت إيران «الشيعية» أن تلملم جراحها وجراح من تزعم أنهم «المظلومون» في التاريخ، ما يجمع - برأي إيران - بين هؤلاء وبين الشيعة المعاصرين والآخرين جميعاً، لإعادة الاعتبار لأولئك. لم يدرك هؤلاء أن اشتراك البعض في مذهب ديني أو طائفي لا يسمح بإزالة ما يجعل من كل من الفريقين مساوياً للآخر ومتماهياً به. هذا قصور معرفي وخطأ اجتماعي وقيمي، إضافة إلى أنه يحدث خللاً في إطار بناء المجتمعات، على الرغم من أنه قد يكون عامل تقريب ما. إذ ما الذي يدعو إلى تماهٍ سني باكستاني بسني شركسي أو سوري دمشقي. أما الوجه الآخر، فيتمثل في أن الأمر حتى حين يؤكد فيه على الالتقاء المذهبي بين مجموعات متعددة، فإنه لا يلغي الانتماء القومي التاريخي والوطني لتلك المجموعات، ناهيك عن الإطاحة بهذا الانتماء. ها هنا تدخل عناصر وعوامل أخرى. وها هنا تبرز أهمية التوازنات والتباينات والتوافقات المتعددة بين الفرقاء المتعددين. إن ذلك كله لا يتوافق مع ما أحدثه ويحدثه «حزب الله» اللبناني راهناً، فهو حزب لبناني بانتماء قومي عربي وبعقيدة طائفية ذات خصوصية محددة وبنية وطنية لبنانية، ولكنه أطاح بذلك كله لمصلحة إيران والصهيونية ومن ثم، فإن وضع استراتيجية سياسية ومذهبية لبنان (أو لغيره). وثمة نقطة أخرى حاسمة منهجياً وتاريخياً، وتقوم على ضبط التحول من «مقاومة المشروع الصهيوني تاريخاً وراهناً إسرائيلياً، إلى مقاومة المشروع العربي مجسداً في الخصوصيات الوطنية السعودية، ولصالح مشروع إيراني فارسي يعلن أصحابه بأنهم يملكون الآن «أربعة عواصم عربية بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت»، مع الإشارة إلى أن إيران تحتل الآن ثلاث جزر إماراتية.. فنحن أمام مشروع إمبراطوري مضاد بوحشية للعرب، ويسعى لنشر للإرهاب في لبنان وسوريا وغيرهما.