تركيا تريد منطقة آمنة على حدودها منذ وقت طويل، وتريد فرض منطقة حظر جوي، وذلك قبل التدخل الروسي وخصوصاً بعده. ومع التطورات الأخيرة الميدانية وتقدّم قوات النظام السوري على الأرض في اتجاه الحدود التركية وخسارة المعارضة مواقع كثيرة بسبب القوة الجوية الروسية ومساندة القوات الإيرانية وحلفائها للنظام، ومع التمدّد الكردي على حدودها والذي تعتبره خطاً أحمر لا يمكن القبول به باتت تركيا في وضع حرج ودقيق. تلحّ على المنطقة الآمنة، وتصرّ على حقها في التدّخل دفاعاً عن النفس، وتطالب أميركا بتوضيح موقفها من القوات الكردية وإعلانها «إرهابية». وجددّ الرئيس التركي قوله: «على أميركا أن تختار بين تركيا وقوات الحماية الكردية». وتركيا والسعودية رغبتا في تدخل بريّ بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وانضمت إليهما دول عربية وإسلامية، وأكدتا إصرارهما على أن «لا مكان للأسد في مستقبل سوريا. ولن يكون سلام واستقرار في ظل وجوده». وأكدت السعودية من جانبها أنه (لا يمكن التخلص من «داعش» بوجود الأسد)، وهي تؤيد إعطاء صواريخ أرض جو للمعارضة إذا قرر التحالف! الأسد يصرّ على العملية العسكرية، يعيش نشوة انتصار، كأن التغيير الحاصل في ميزان القوى لمصلحته هو. ولم يكن السبب الأساس في ذلك التدخل الروسي حيث لم يتمكن جيشه والدعم الإيراني بكل الأشكال من وقف تقدّم المعارضة قبل أن يأتي الروس. ورغم أن هؤلاء قد أعلنوا أن «مدى العملية العسكرية وحدودها يقررها بوتين وليس الأسد». ووجهوا عبر سفيرهم في الأمم المتحدة كلاماً واضحاً إلى الأسد يدعونه فيه «إلى الاستفادة من نصائحهم» ويؤكدون أن «الحل سياسي» وهذا ما يسعون إليه». وقال السفير تشوركين: «في حال سارت سوريا خلف قيادة روسيا في ظل الأزمة، فستكون هناك فرصة للخروج بكرامة. لكن إن ابتعدت عن هذا السبيل فقد ينجم عن ذلك وضع صعب جداً بالنسبة إليهم». وقال: «ما دمتم ارتضيتم أن نساعدكم فلا بد من الالتزام بتوجيهاتنا» ! رغم ذلك فإن الأسد أكد «أن العملية العسكرية ستستمر وأنه يريد أن يذكر بعد عشر سنين أنه منقذ سوريا». وأضاف: «فور السيطرة على البلاد ستكون الخطوة التالية تشكيل حكومة وحدة وطنية تضع الأساس للدستور الجديد والانتخابات»! وجاء هذا الكلام في وقت كان فيه الأميركيون والروس عبر وزيري خارجيتهما يسعيان إلى وقف لإطلاق النار، والتحضير لجولة جديدة من المفاوضات على قاعدة ما تمّ الاتفاق عليه في فيينا والقرار الأممي 2254 الذي يؤكد على جدول زمني من 6 أشهر لإقرار الإصلاحات وتشكيل الحكومة ثم إجراء الانتخابات. وهذا يناقض كلام الأسد الذي يدعو لانتظار سيطرته على البلاد لحصول ذلك وهذا لم يتحقق. ويعتبر كل الذين يقفون في وجهه إرهابيين ينبغي التخلص منهم وهذا خطأ ومستحيل. الأميركيون قالوا علناً وللجميع لا حديث عن شروط مسبقة للتفاوض، لا حديث عن خروج الأسد قبل بدء مسار العملية السياسية، ولانريد تدخلاً برياً. ولسنا موافقين على الحظر الجوي. يعني قالوا بوضوح : «الأرض والجو متروكان للروس والنظام وحلفائه»! يعني التخلّي عن المعارضة. ورسموا الحدود وسياسة الإرضاء بدعوة الأتراك الى ضبط النفس، وقوات الحماية الكردية إلى عدم احتلال أراض أكثر! ومع ذلك استمر الأسد على عناده وموقفه وصعّد الأمور بعد ساعات من إعلان الوزيرين «كيري» و«لافروف» التوصل إلى مسودة مشروع لوقف فوري مؤقت للنار. فدعا إلى انتخابات برلمانية في 13 أبريل المقبل تحت عنوان «ضرورة احترام الدستور»! وهذا يعني نسفاً للمسار السياسي الذي أقّر القرار 2254. فماذا سيفعل الروس والأميركيون وبالتحديد الروس أكثر؟ ماذا سيقولون خصوصاً عندما وردت معلومات من إيران تفيد أن وزير خارجيتها وأثناء التفاوض على القرار رفض تحديد ما إذا كانت الانتخابات نيابية أم رئاسية. تركت المسألة غامضة مفتوحة على كل الاحتمالات والتفسيرات. فجاء قرار الأسد اليوم انسجاماً مع التوجه والنيات الإيرانية في ظل شعور بأن هجوماً تركياً سعودياً قطرياً مدعوماً من جهات مختلفة يهدف إلى وقف اندفاعة الأسد، وإلى تعديل ميزان القوة على الأرض، فحاول فرض الأمر الواقع على الجميع! هل تتخلى روسيا عن الأسد الآن؟ مقابل ماذا؟ في هذا الجو سيكون الثمن رخيصاً. هل توقف العمليات وهي جاءت من أجل مصالحها وليس من أجل الأسد؟ هكذا يكون التفاوض مع الأميركي أصعب لأن رئيس النظام السوري خذله. في مواجهة هذا الواقع هي في مأزق وقد حذّرها الأميركيون وغيرهم من الغرق، وإيران لا تريد أن يقدم النظام أي تنازل. هذه هي نتيجة سياسة التخلي الأميركية والخبث الغربية والتجلّي بسياسة القصف الروسية والتي تدمّر سوريا بالكامل. وفي ظل ما يفعله الأسد، إيران هي صاحبة دور أساسي خصوصاً في مرحلة التباين مع روسيا. هذا هو روحاني يصرح لصحيفة «لوموند»: «أميركا ترى في إيران الدولة الوحيدة القادرة على محاربة الإرهاب». «لولا تدخلنا في العراق لكانت مدن أخرى غير الموصل قد سقطت»! روحاني يحلّ ضيفاً على العواصم الغربية ووسائل إعلامها والأسد ضيف في وكالة الصحافة الفرنسية والصحف الإسبانية وبعض الإعلام الأميركي. من سيخرج بكرامة روسيا أم «نظام سوريا»؟ كلفة الكرامة غالية المهم سلامة وكرامة الشعب السوري. مجدداً نحن في بداية الحرب وستكون نتائجها أكثر تدميراً. ولها امتدادات وارتدادات كثيرة على كل دول المنطقة في هذه المرحلة. *وزير سابق ونائب حالي في البرلمان اللبناني