الإرهاب لا دين له ولا جنس، ولا وطن، ولا عقل.. الإرهاب ظاهرة قديمة تعانيها غالبية دول العالم، وهو مرض العصر والخطر الذي يهدد العالم بكارثة، ويهدد أمن واستقرار الأوطان. وما من شك في أن المحنة التي أصابت الإسلام والمسلمين وأساءت لهم كثيراً، بسبب الإرهاب وأعمال الإرهابيين التي يدخلونها زوراً وبهتاناً في باب الجهاد، قد فتحت الباب أمام أعداء الإسلام كي يسيئوا له، ويوجهوا إليه سهامهم من جديد. الإرهابيون من العملاء والمرتزقة الذين لا دين لهم، والذين صنعتهم وغذتهم قوى أجنبية هدفها التآمر على هذه الأمة، يحاولون استغلال الدين ورفعه كشعار لتبرير أبشع أنواع التخريب باسم الإسلام، وهو دين الرحمة البريء من كل ذلك. فالإسلام دين السلام والأمن والاستقرار، دين المحبة والعدل والسكينة، دين التسامح والتعاون والتعايش المشترك، وهو يرفض الإرهاب بمختلف أنواعه وينبذ العدوان بمختلف أشكاله، على المسلمين وعلى غير المسلمين، إلى الحد الذي جعل معه مجرد النظرة التي لا يتوافر فيها الأمان مخالفَةً يأثم صاحبها، حيث قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق، أخافه الله سبحانه وتعالى يوم القيامة»، وقال أيضاً: «من آذى ذمياً فقد آذاني». إنه الإرهاب الذي يرفضه الدين والعقل والمنطق ويستنكره الإسلام، كونه يتناقض مع روح الإسلام الصحيحة ومقاصده الشرعية وجوهر رسالته العالمية السمحة، وترفضه كل الأديان وكل العقول. لذلك، فإن التفجيرات المروعة التي حدثت في فرنسا وراح ضحيتها مجموعة كبيرة من الأشخاص الأبرياء، لم تستهدف الشعب الفرنسي فقط، بل استهدفت العرب والمسلمين أيضاً، وذلك لكونهم جزءاً من المجتمع الفرنسي، ويعيشون على أرض فرنسا، لذلك فإنهم أصبحوا اليوم، بسبب جرائم الإرهاب، في حالة خوف وقلق من مشاعر الانتقام والكراهية. وإذا كان في وهم الجهة التي نفذت تلك التفجيرات الدامية والآثمة أنها تخدم قضية تؤمن بها (وهي في الواقع لا تؤمن بشيء سوى الرغبة في القتل وسفك الدم وإهدار الحياة)، فإن استهدافها الشعب الفرنسي البريء هو تصرف جبان وشديد الغباء، ولن يأتي إلا بنتائج عكسية على ما يعتبره الإرهابيون قضيةً لهم! إن جوهر مشكلة الإرهاب لا يتمثل فقط في تمظهراته العنفية التدميرية، بل يكمن أيضاً في العديد من الظروف الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية والنفسية والفكرية والقومية وبعض المحركات التي تعمل بصورة مؤثرة على إذكائه في المجتمعات العربية المعاصرة، وأهمها الفقر والجهل والاحتلال والاضطهاد والاستعمار والاستبداد. وهناك أسباب أخرى، أشار إليها كورت فالدهايم الأمين العام السابق للأمم المتحدة، مثل استخدام «حق» الفيتو ضد حقوق الشعوب، وتهاون الدول الكبرى في القيام بواجباتها واغتصاب حق الشعوب. لكن بغض النظر عن كل ذلك، فإن المشكلة الأخطر في هذا الإرهاب الذي تمارسه اليوم «داعش»، وقبلها «القاعدة»، تتم ممارسته باسم الإسلام، وفي ذلك خدمة لقوى أجنبية كثيراً ما حاولت إلصاق الظاهرة الإرهابية بالإسلام والمسلمين، وتصوير الأمر على أنه صراع ديني وحضاري، ودعم ذلك بنظرية صدام الحضارات، وتكريس معاداة الإسلام في ثقافة الغرب وإعلامه ومناهجه الدراسية وتوجهاته السياسية والعسكرية والاقتصادية.