الصحفيون هم المنوط بهم مراقبة الالتزام بالديمقراطية والدفاع عنها، وفقاً لحكم صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وأي رئيس يريد أن يتحكم في دولة ما، من دون أن يتعرض لإزعاج الانتقادات، يحاول عادة أن يكمم أفواه المراسلين. ومن سوء الطالع أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ضليع في أساليب كتم نداءات الديمقراطية. وفي الوقت الذي يتقاطر فيه الصحفيون على مدينة «أنطاليا» لتغطية اجتماعات قمة قادة مجموعة الدول العشرين الكبرى، يجري في الآن ذاته حرمان زملائهم الأتراك من التفويض الذي يخولهم حق تغطية فعالياتها. وفي الحقيقة أن تهميش وسائل إعلام المعارضة، بات عادة سيئة في تركيا، التي صُنفت في المرتبة الـ 149 من إجمالي 180 دولة، على مستوى العالم، في الحريات الممنوحة للصحافة، وفقاً لمؤشر حرية الصحافة الأخير الصادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود». فقبل أربعة أيام فقط من انطلاق الانتخابات البرلمانية التي جرت في تركيا في الأول من نوفمبر الجاري، دهمت الشرطة المقر الرئيس لمجموعة «أيبك» الإعلامية، وأوقفت صدور صحيفتيها اليوميتين، بالإضافة إلى محطتي تلفزيون تابعتين للمعارضة. وبعد تأمين السيطرة على إدارة هذه المنافذ الإعلامية، وفصل 71 صحفياً من العاملين فيها، سُمح لها باستئناف عملها، ولكن بخط تحريري مختلف يكاد يكون هزلياً، وهو ما يتبين بوضوح مما قامت به صحيفتا «بوجون» و«ميليت» اليوميتان اللتان نشرتا صورة لأردوغان في واجهتيهما تحت عنوان «الرئيس وسط الشعب» و«تركيا اتحدت». والواقع أن الصحافة في تركيا تتعرض للتكميم. فعلى رغم استعادة حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد خلال الأعوام الثلاثة عشر الماضية، للأغلبية البرلمانية المطلقة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً في حد ذاته لدفع الحكومة لإيقاف قمع الصحافة. بل إن العكس تماماً هو الذي حدث، فبعد يومين من ظهور نتيجة الانتخابات، زجت السلطات باثنين من الصحفيين في السجن بتهمة «التحريض على القيام بتمرد مسلح ضد الدولة» من خلال قصة خبرية نشراها. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل أحالت السلطات 30 صحفياً آخرين للتحقيق، إما لضلوعهم في «دعاية إرهابية» أو «إهانة رئيس الجمهورية»، وهما التهمتان الأكثر شيوعاً، الجاهزتان دوماً لدى السلطات. ولسنوات طويلة، أدى التركيز المتزايد لملكية وسائل الإعلام في أيدي محسوبين على الكحومة، لتآكل التعددية، ودفع تلك الوسائل للرقابة الذاتية، أي ممارسة الرقابة على نفسها لضمان عدم الخروج عن الخطوط المحددة من قبل الدولة تلافياً لأي مشكلات قد تحدث. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قامت السلطات بتقييد الإنترنت، وحظر العديد من المواقع بشكل منهجي. ويشار في هذا السياق إلى أن تركيا يصدر عنها ثلثا المطالبات المقدمة لـ«تويتر» بحذف محتويات منشورة على موقعه، كما أن الحكومة التركية لا تتردد في حظر منصة «يوتيوب» برمتها في الكثير من الحالات إذا ما لزم الأمر. وبدلاً من تخفيف التوتر السياسي والمجتمعي في تركيا، فإن الإجراءات المتسارعة لزيادة الرقابة على الإعلام، والخطاب الحكومي العدائي، أدت لمفاقمة تلك التوترات. ومن الأدلة على ذلك أن المتظاهرين الذين استفزهم الخطاب الحكومي، هاجموا مقر صحيفة «حرييت» اليومية المؤيدة للنظام، الكائن في إسطنبول، مرتين في بداية شهر سبتمبر الماضي. وقادة مجموعة الدول العشرين الكبرى، كان يجب أن يحاطوا علماً بالمسار الذي شرعت فيه الدولة المضيفة لاجتماعهم. فهؤلاء الزعماء في حاجة إلى تركيا مستقرة للحد من انتشار تداعيات الفوضى السورية وضمان الأمن والرفاهية لشعبها. وعلى الحكومة التركية أن تتوقف عن تأجيج التوترات، وأن تعمل على إبراز الحقائق. وإعادة فتح المجال العام للحوار الديمقراطي أمر ضروري لتحقيق الاستقرار في تركيا، وحرية المعلومات جزء من الحل، أو خطوة مهمة على الطريق لتحقيق ذلك. ---------- نعوم تشومسكي* وكريستوف ديلوار** * أستاذ فخري في معهد ماساشوسيتس للتقنية ** الأمين العام لمنظمة «مراسلون بلا حدود» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»