الثورة ضد المهاجرين و«الطريقة الميركلية»
برهنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نهاية الأسبوع الماضي أن بقاءها السياسي أمر مفروغ منه. وكان التحدي هذه المرة من «هورست زيهوفر»، زعيم حزب «الاتحاد الاجتماعي المسيحي»، وهو حزب شقيق لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» الذي تنتمي إليه ميركل، وشريكه في الحكم. وكان «زيهوفر» حدد يوم الهالويين كموعد نهائي أمام ميركل كي تقرر كيف ستمنع تدفق طالبي اللجوء، وكثير منهم يعبرون الحدود النمساوية إلى بافاريا. وفي حال أخفقت في منع الموجة العاتية من المهاجرين، هدد بأنه سيدرس خياراته. وأفادت بعض التقارير بأنه فكر في استدعاء الوزراء الأربعة الذين ينتمون لحزبه من الحكومة. وبالطبع ستكون خسارة ثاني أكبر ولاية في ألمانيا من حيث عدد السكان والإنتاج الاقتصادي خسارة كبيرة لميركل وحزبها، لكنها قمعت الثورة في مهدها.
والتقت المستشارة «زيهوفر» يوم السبت، فيما بدا احتراماً للموعد المحدد، وعكست وثيقة الموقف المشترك التي أسفر عنها اللقاء طلب «زيهوفر» بأن تدعو ميركل النمسا إلى وقف المهاجرين عند الحدود واتخاذ إجراءات أخرى لتقليص التدفق. والواضح للعيان أن الاتفاق منح «زيهوفر» ما يكفي للقول بأنه «راضٍ حتى الآن» من دون خسارة ماء وجهه. أما من الناحية العملية فهو يصف إلى حد كبير ما تفعله الحكومة بالفعل، مثل إنشاء مركز تعاون مشترك للشرطة مع النمسا والتعاون مع تركيا لمنع اللاجئين من مغادرة المخيمات هناك إلى أوروبا. لكن لم يتم قطع وعد بوضع حد للهجرة، والتدبير الوحيد الجديد الذي تم اقتراحه هو إنشاء مناطق عبور على الحدود الألمانية، وحظر مدته عامان على إعادة توحيد الأسرة بالنسبة للأشخاص الذين يخضعون لمظلة حماية المعونات، وهي فئة من المهاجرين لا يعتبرون لاجئين بل تعد عودتهم إلى أوطانهم غير آمنة.
وبالنسبة للبعض، تعتبر مناطق العبور مثل مخيمات ترشيح أو مراكز اعتقال، وقد اعترض سيجمار غابرييل، زعيم «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» التابع ليسار الوسط والشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم بقيادة ميركل، على هذه المناطق لتلك الأسباب. وقال: «بدلاً من إقامة مناطق احتجاز لا يمكن السيطرة عليها عند الحدود، نحتاج لمراكز تسجيل أكبر داخل ألمانيا». ورغم ذلك من المحتمل أن تتمكن «ميركل» من إقناعه بأن ما يدور بخلدها هو أكثر من مناطق عبور في المطارات. والفكرة هي أن طالبي اللجوء من «مناطق آمنة»، وبصورة أساسية في دول البلقان وبعض الدول الأفريقية ومناطق محددة في أفغانستان، وهؤلاء الذين لا يحملون أوراقاً، سيتعين عليهم البقاء في المناطق لمدة يومين أثناء النظر في طلباتهم. وإذا تم رفضهم سيتم ترحيلهم إلى أوطانهم، أو رفع قضايا في محكمة ألمانية، على أن تنطق بحكمها في غضون 14 يوماً. وما لم يحدث ذلك، سيتم السماح لطالبي اللجوء بدخول ألمانيا.
وبعبارة أخرى، تحرص السلطات الألمانية على منع قيام مخيمات لاجئين على حدودها. ورغم ذلك من الجيد لميركل أن غابرييل وبعض المنظمات الحقوقية لا تحبذ فكرة المناطق الانتقالية، لأنه بصفتها زعيمة لحزب المحافظين، تحتاج أن تنأى بنفسها عن اليساريين العاطفيين الداعمين للهجرة. وتحتاج المستشارة إلى أن توضح لناخبي «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» أنها لا تؤيد سياسة باب مفتوح تؤدي إلى التمييز.
والحقيقة أن ذلك ليس موقفها، وإنما تم الشهر الماضي تمرير قانون لجوء على عجل، لاستبدال البدل الممنوح لمقدمي الطلبات بقيمة 143 يورو (158 دولار) بكوبونات أغذية، وجعلها مستحيلة على الأرجح للقادمين من البوسنة وكوسوفو ودول البلقان. وبدأ تدفق المهاجرين من يوغوسلافيا السابقة يجف مع ذهاب الفاتورة إلى البرلمان الألماني: وبات المهاجرون المحتملون على دراية بقواعد وسياسات الدول التي يرغبون في الذهاب إليها.
ويحمل التعامل مع قضية اللاجئين في ألمانيا بصمة «ميركل»، فطريقتها تتضمن التوصل إلى تسوية مع منتقدين من اليمين واليسار، على أن يمضي المسؤولون في تطبيق الخطة قدماً. وقد أدى ذلك إلى ظهور مصطلح «الطريقة الميركلية»، ويشير إلى عدم الحسم واللامبالاة. ورغم ذلك فميركل تتبنى مبدأً ثم تمضي في التشبث به رغم الظروف المتغيرة.
ووفقاً لمعاييرها، فهي تمسك بزمام الأمور جيداً، وفي ألمانيا اليوم لا توجد معايير مهمة أكثر من ذلك، ويصعب التكهن بالأمر الذي من شأنه خلعها من منصبها، لكن بالتأكيد لن تكون الاختلافات مع الحلفاء والشركاء في الحكومة.
ليونيد بيرشيدسكي*
---------------------
*محلل سياسي روسي مقيم في برلين
----------------------
يُنشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»