كما يعرف الإعلاميون، وخاصة رسامي الكاريكاتير تأثير صورة واحدة يعادل أكثر من 200 مقالة حتى ولو كانت مكتوبة بحنكة وتتسم بجمال الأسلوب. هذا ما نراه مع صورة جثة الطفل السوري الكردي، إيلان عبدالله، ذي العامين، والذي لفظتها أمواج مياه البحر المتوسط إلى الشاطئ التركي، وتشابه وضع الجثة تقريباً مع الوضع الطبيعي لجنين حديث الولادة راقداً على معدته بينما مؤخرته مرفوعة بعض الشيء. ولذلك بين ليلة وضحاها حركت هذه الصورة ضمير المشاهدين في معظم أنحاء العالم. أصبحت صورة هذا الرضيع رمزاً للكثير في هذا العالم. وحشية الحرب الدائرة في سوريا، نظام يتمسك بالسلطة حتى لو كان الثمن فناء الشعب نفسه، هروب الآلاف وحتى الملايين، حوالى 25? من الشعب السوري أصبحوا لاجئين، أزمة إنسانية عالمية، هدير الملايين من النساء والأطفال يقتحمون الحدود الأوروبية ويحطمون أبوابها.. مسؤولي الاتحاد الأوروبي في حالة تواصل دائم مع الحكومات ومؤسسات الاتحاد ولكن دون جدوى. أما الجامعة العربية، فكأن هذه الأزمة الإنسانية العالمية تحدث في المريخ! ولكن نجح إيلان بموته في إنقاذ مئات الآلاف حيث تحرك ضمير العالم وتم رفع الكثير من الأسلاك الشائكة وفتح الكثير من الحدود أمام هدير اللاجئين، من نساء محجبات بأطفال يشعرون بالتعب والإنهاك بعد السير لأميال وأميال على قضبان السكك الحديدية تحوط بها الغابات وأحياناً تحت أمطار كثيفة دون طعام وحتى ماء ولا مكان يقضون فيه حاجتهم أو يسرقون بعض ساعات النوم أثناء الليل. هذا الهدير الإنساني الذي يغزو الأراضي الأوروبية بعد النجاح في القرار خلال شواطئها هي أكثر الصور سلبية عن العديد من نظم الحكم العربية في سوريا العراق اليمن والسودان التي جعلت من الحياة داخلها جحيماً لايطاق فعلاً بحيث أن العديد من مواطنيها يجدون الحل، إما في الموت غرقاً أو الهيام ومحاولة دخول مجتمعات لا يعرفون عنها شيئاً، وقد تضطر إلى معاملتهم إنسانياً الآن ولكن قد تجعل حياتهم صعبة بعد ذلك لدوافع اقتصادية أو ثقافية، وتحاصرهم في أماكن محددة لتمارس نوعاً من سياسة العزل الثقافي. أعترف أن بعض الدموع سالت غزيرة عندما استمعت إلى نواح عبدالله والد الطفل «إيلان»، وهو يتظلم عن تجربته، وكيف أنه حاول أن يساعد طفليه ثم فشل، عندما رأى الطفل الأكبر ذي الأعوام الأربعة متمسكاً بيد شقيقه الأصغر لينقذه ولكن لا يستطيع، اضطر أن يطلب منه أن يضحي بشقيقه ولكن نظر بعد ذلك إلى هذا الطفل الأكبر ووجد أن دماء غزيرة تتدفق من عينيه، وعرف أن نهايته قريبة أيضاً، واضطر أن يتركه ليواجه المصير المحتوم، ونظر عبدالله وراءه ليجد جثة زوجته ريحان وهي تطفو على مياه المتوسط كالبالونة المنتفخة. ولم يبق لعبدالله إلا العودة إلى بلدته الأصلية ليبكي على الأطلال بعد أن فقد كل شيء، مأساة إنسانية بالطبع ولكن سياسية أيضاً. جثة الطفل «إيلان» إذن هي رمز أكثر منها حالة منفردة فقد عبر الحدود الأوروبية هذا العام 380 ألف لاجئ، أو ثلاثة أضعاف لاجئي العام الماضي، وقد يرتفع العدد إلى 600 – 800 ألف. وهلك منهم غرقاً خلال العام حوالى 2600، ولكن هذا العدد مرشح أيضاً للزيادة، وحتى هؤلاء الذين غرقوا دفع كل واحد منهم في المتوسط 4000 – 5000 يورو للوصول للشاطئ الأوروبي، وفقط لتوضيح جحم هذا الاستغلال، فقد رأيت أسعار طيران منخفضة من القاهرة إلى بعض العواصم الأوروبية تتراوح بين 40 – 50 يورو، أي 1 على 15 ما يدفعها الهارب من الجحيم ليموت غرقاً. جثة هذا الطفل ذي العامين إذن ترمز إلى أكثر من زاوية عن بعض نظم الحكم العربية ومعاملتها لمواطنيها، إلى العلاقة بيننا وبين الخارج، وكيف أصبحت بعض مشاكلنا تكشف المستور عالمياً، وكيف أن بعض مؤسساتنا الإقليمية عاجزة عن مواجهة هذه المشاكل، لعل الاعتراف بالعجز يكون بداية الاستيقاظ والبحث الجدي عن حل. أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية- القاهرة