إن لم تكونوا قد لاحظتم فإنه لا توجد في الوقت الراهن عملية سلام إسرائيلية- فلسطينية، كما لا توجد توقعات بإمكانية بدء مثل تلك العملية، أي عملية تقود على أقل تقدير لاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين بشأن الموضوعات الجوهرية مثل الحدود، في المستقبل القريب. وفي خضم العنف المتفاقم في الضفة الغربية، ليس من المتوقع أن يكون نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، على وشك أن يتوصلا فجأةً لبناء ثقة متبادلة، أو رؤية مشتركة. وعندما سُئل الرئيس أوباما في مقابلة أجريت معه في الآونة الأخيرة عن شكل الشرق الأوسط الذي يريد تركه لخلفائه في المنصب، لم يرد للموضوع الإسرائيلي- الفلسطيني أي ذكر في سياق إجابته عن السؤال. ومن المؤكد أن أوباما قد أفاق من أحلامه، بشأن هذا الموضوع، وبالتالي خفض سقف توقعاته. لقد ولت آمال التوصل إلى اتفاق فعلي على قضايا الوضع النهائي، غير أنه يتعين القول، إن ذلك لا يعني أيضاً أن الرئيس، ووزير خارجيته جون كيري، قد تخليا عن الموضوع تماماً، وفقاً لمصادر الإدارة ودبلوماسيين أوروبيين تحدثت معهم. وحتى لو كان التقدم يعني مزيداً من التوتر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن البيت الأبيض مصمم على الاستمرار في محاولة إيجاد حل لذلك الصراع. أما في الوقت الراهن، وربما حتى بعد بدء فصل الخريف بفترة، فإن أولوية الإدارة ستكون منصبة على تسويق الاتفاق مع إيران، ولكن ذلك يمكن أن يكون مجرد تخلٍّ مؤقت فقط، لأن موضوع السلام بين الإسرائيليين، والفلسطينيين كان دوماً أولوية رئاسية أميركية. فبعد توليه منصبه بيومين فقط، عين أوباما «جورج ميتشيل» كي يكون مبعوثه الخاص للشرق الأوسط،، ودفع في اتجاه فرض تجميد على بناء المستوطنات، داعياً للتوصل إلى اتفاق خلال عام، كما دعم الجهود المكثفة التي بذلها وزير خارجيته لما يقرب من عام ونصف العام، للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، وعلى رغم أن تكتيكاته لم تحقق المراد منها دائماً، فإنه كان من الواضح أن أوباما قد كرس نفسه لاستراتيجية حل الدولتين. والعام المتبقي تقريباً لأوباما في المكتب البيضاوي، يعتبر زمناً طويلاً، والعنف الأخير في الضفة يكشف عن وضع قائم مشوب بالتوتر، يمكن أن ينفجر في أية لحظة، وبالتأكيد فإن هذه ليست بالمحصلة التي يريد أوباما أن تخيم فوق مناسبة رحيله من البيت الأبيض في يناير 2017، وهو ما يعني من جانب آخر أن كيري يمكن أن يقضي العام المقبل متفرغاً لشيء ذي أهمية. غير أن الخيارات تبدو قاتمة إلى حد كبير، وفكرة التوصل إلى اتفاق بشأن الموضوعات الجوهرية مثل وضع القدس، أو حدود 1976، تبدو بعيدة المنال، وخصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار عدم الثقة المتبادلة بين نتنياهو وعباس. ولا يتبقى بعد ذلك سوى بديل واحد، هو تبني شروط حل الدولتين إما كمبادرة من جانب واحد هو الولايات المتحدة، وإما كعمل متعدد الأطراف في صورة قرار من مجلس الأمن الدولي. وإجابة السؤال المتعلق بما إذا كانت الإدارة الأميركية قادرة على إقناع الفلسطينيين بالانضمام للعملية، أو طرح هذا الحل لدفعهم للتخلي عن حملتهم الدبلوماسية في المحكمة الجنائية الدولية، الرامية لاستصدار تهم للقادة الإسرائيليين بارتكاب جرائم حرب، تبقى إجابة غير واضحة، وإن كان ينبغي القول مع ذلك، إن هذه المناورة لن تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ولكن إذا لم يتمكن مسؤولو الإدارة من ترك حل الدولتين كإرث حقيقي وراءهم، فإنهم سيحاولون الترويج لإرث افتراضي. وإذا ما اتبعت الإدارة طريق الأمم المتحدة الأكثر نيلاً للاهتمام، والأكثر خطورة في آن واحد، فإن الإسرائيليين وكثيرين في الكونجرس سيجأرون بالشكوى، ويحاججون بأن إدارة أوباما تحكم مسبقاً بالفشل على اتفاقية الوضع النهائي. ولكن المشكلة تكمن في أن الوقت يمضي حثيثاً، وأنه بمجرد إتمام الاتفاق مع إيران فإن إقصاء رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي عارض مبادرات رئيسية في الشرق الأوسط (الموضوع الإيراني وموضوع السلام) لن يكون بالأمر الذي يبقى الرئيس ساهراً. وتلك لعبة منفردة، وربما تكون غير منتجة، ولكنها الوحيدة المتبقية، واعتماداً على سنوات خبرتي الطويلة البالغة 20 عاماً في عملية السلام، فإنني أرى أن عمل شيء بدلاً من لا شيء هو الموقف الأميركي الافتراضي، وأنه لن يمضي بالتالي وقت طويل، قبل أن يسترد البيت الأبيض كامل لياقته. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»