تشير التقديرات والإحصائيات إلى أن عدد الهواتف المحمولة حول العالم، قد تخطى السبعة مليارات عام 2014، وهو ما يقارب على عدد أفراد الجنس البشري؛ رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالاً. ومن بين هذه المليارات، أصبحت أنواع الهواتف المعروفة بالهواتف الذكية (Smartphone)، تشكل جزءاً لا يُستهان به من مجمل مبيعات الهواتف المحمولة، حيث بلغت مبيعات الهواتف الذكية عام 2013 أكثر من 1?2 مليار هاتف، وهو الرقم المتوقع له الزيادة باطراد خلال الأعوام القادمة. ورغم أنه من الصعب وضع تعريف محدد وشامل للهواتف الذكية، فإنها تتمتع جميعها - تقريباً- بجزء كبير من الخصائص والصفات المشتركة؛ مثل اعتمادها على نظام تشغيل خاص، والجمع بين وظائف الهاتف العادي، والمساعد الرقمي، ومشغل للموسيقى والفيديو، ونظام «جي بي إس»، بالإضافة إلى شاشة تعمل باللمس، وكاميرا عالية الوضوح. وتعتبر القدرة على الاتصال بشبكة الإنترنت، من خلال تقنيات الجيل الثالث أو الرابع، من أهم وظائف الهواتف الذكية، التي تجعلها تضاهي أجهزة الكمبيوتر الشخصية في الإمكانات، ولكن بحجم أصغر محمول. ورغم أنه لا تتوافر إحصائيات دولية عن عدد مستخدمي الهواتف الذكية بين الأطفال والمراهقين، فمن الممكن الاستنتاج أن عددهم يبلغ مئات الملايين، إن لم يكن قد وصل وتخطى المليارات. وفي بعض الدول ذات الدخل الفردي المرتفع، يمكن التقدير بأن نسبة التشبع بالهواتف الذكية بين المراهقين قد وصلت إلى مئة في المئة. وبخلاف التأثيرات التي بدأت تتضح لمثل هذا التشبع على المهارات الاجتماعية، وعلى قدرات التواصل الإنساني لهؤلاء الأطفال والمراهقين، بدأت تتزايد المخاوف مؤخراً، مما يمكن أن ينتج عن فرط استخدام الهواتف الذكية من تبعات صحية، ليس على المستوى البدني فقط، وإنما أيضاً على الجانب العصبي والنفسي. هذه المخاوف أعادها لدائرة الضوء، تقرير صدر بداية الأسبوع الماضي، عن جمعية بريطانية خيرية (The Youth Sport Trust)، والمعنية بنشر وتشجيع ثقافة ممارسة الرياضة وبقية النشاطات البدنية بين صغار السن. حيث حذر هذه التقرير، الذي استخلص نتائجه من مسح شمل ألف طفل ومراهق، بين سن الخامسة والسادسة عشرة، من أن أجيال المستقبل من صغار السن، سيصبحون رهائن للأجهزة الإلكترونية المحمولة، بما في ذلك الهواتف الذكية، وغيرها من أجهزة ألعاب الفيديو المحمولة، وسوف ينأوا وينفصلوا تدريجياً عن النشاطات البدنية بأنواعها المختلفة. فرغم أن 75 في المئة ممن شملهم المسح، أقروا بحبهم وتمتعهم بحصص التربية الرياضية في المدارس، ورغم أن ثلثيهم صرحوا بشعورهم بالسعادة بعد المشاركة في المباريات والمسابقات، فإن الوقت الذي أصبح يخصص من يومهم لمثل هذه النشاطات، يشهد تآكلاً وتراجعاً تدريجياً، مقابل زيادة مماثلة في الوقت الذي يقضونه على هواتفهم وأمام الشاشات الإلكترونية بوجه عام. كما أن بعضهم - 23 في المئة - أصبحوا يصنفون الوقت الذي يقضونه في ممارسة ألعاب الفيديو مع أصدقائهم، على أنه نوع من النشاط البدني والرياضة. وبخلاف التبعات البدنية لمثل هذا الاتجاه السلوكي بين الأطفال، التي ستتجسد في أمراض متعددة ومتنوعة؛ مثل السمنة والتي تقدر منظمة الصحة العالمية أنها تصيب حالية ملياري شخص حول العالم، منهم 50 مليون طفل تحت سن الخامسة، بما سينتج عن هذه السمنة من أمراض مثل السكري، وأمراض شرايين القلب، وغيرها. هذا بالإضافة إلى ضعف العضلات، وهشاشة العظام، ونقص فيتامين (D) الذي يحصل عيه الجسم من أشعة الشمس من خلال الجلد، وقصور نمو الأعضاء الداخلية، خصوصاً الرئتين والقلب. ناهيك عن التبعات النفسية التي تنتج عن هذا الإفراط في استخدام الهواتف المحمولة، التي تشمل العزلة، والاكتئاب، والميول الانتحارية أحياناً، بالإضافة إلى تراجع وضمور المهارات الاجتماعية. ولن يمكن مقاومة هذا الزحف المستمر للأجهزة الإلكترونية الترفيهية -ولا يفترض من الأساس أصلاً محاولة مقاومتها- وإنما يجب استغلالها، وتوظيفها، في زيادة الوقت الذي يقضيه الأطفال في ممارسة الرياضة، وفي رفع مستوى قدراتهم البدنية والصحية. ومن الممكن تحقيق هذا الهدف من خلال الأفكار التي بدأت تتوالد حول مفهوم دمج مثل هذه الأجهزة في حصص التربية الرياضية في المدارس، وفي النشاطات البدنية بوجه عام. فأمام هذا التحدي الصحي والاجتماعي الخطير، لن يفيد النواح والبكاء على الأيام الخوالي التي كان يقضي فيها الأطفال معظم وقتهم في اللعب البدني، وفي التواصل الإنساني المباشر مع أقرانهم، وإنما يجب اللجوء للإبداع والابتكار، لتوظيف هذه الأجهزة الإلكترونية، ودمجها في حياة الطفل، بشكل يعود بالفوائد البدنية والنفسية المرجوة، وينأى به عن تبعاتها السلبية.