من بين المسائل المهمة التي ينبغي التفكير فيها في وقت تدخل فيه المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة مراحلها النهائية هي كيف ستنفق إيران مليارات الدولارات التي ستتلقاها نتيجة اتفاق. فمؤيدو الاتفاق يشددون على أن إيران ستضخ الجزء الأكبر من هذه الثروة في اقتصادها المتضعضع وذلك، كما يقولون، على اعتبار أن إيران كانت تولي الأولوية خلال الأوقات الاقتصادية العصيبة لتمويل أنشطها الضارة وبالتالي فإنها ليست في حاجة لتوجيه أموال جديدة في ذلك الاتجاه. بيد أن هذه القراءة المثيرة للاستغراب تتغاضى عن حقيقة أن سياسات إيران الإقليمية، وديناميتها الداخلية، تشهد تحولات كبيرة. فالمرشد الأعلى يُعتبر اليوم أحد أنجح الفرس في تاريخ إيران الحديث. ففي عقد السبعينيات، لم يكن الشاه، في أوج قوته، يتمتع بنفوذ كبير في العراق. وظلت الحياة السياسية الطائفية في لبنان عصية عليه؛ ولم تكن عائلة الأسد مجرد تابعة أو مساعدة لإيران؛ وكانت الدول الخليجية تقاوم طموحاته. أما اليوم، فإن خامنئي بات يملك سيطرة كبيرة على جزء كبير من الدولة العراقية؛ كما أنه يُعتبر أهم لاعب خارجي في سوريا، و«حزب الله» لا يمنحه وسيلة للتلاعب بالحياة السياسية اللبنانية فحسب ولكن أيضاً جنوداً يستطيع الاستعانة بهم على عدة جبهات حربية. وفي الخليج العربي، فإن تراجع تحالفات الولايات المتحدة، يمنح إيران عدة فرص مغرية. مؤيدو الرأي الذي يرى أن إيران لن تصبح قوة إقليمية أكثر شراسة وعدائية في أعقاب اتفاق يتجاهلون الكيفية التي تطور بها الشرق الأوسط منذ الانتفاضات العربية لعام 2011. فنظام الدول العربية لما بعد المرحلة الكولونيالية الذي كان يتميز بزعامة وهيمنة مصر والعراق لم يعد موجوداً. فمصر جد منشغلة بمشاكلها الداخلية حتى تضطلع بدور قيادي في المنطقة، بينما صار العراق دولة مفتتة ومشرذمة تحكمها حكومة شيعية. وفي الأثناء، انكبت إيران على مهمة دراماتيكية جديدة تسعى خلالها لاستعراض قوتها في أرجاء الشرق الأوسط بطرق لم تكن متاحة لها أبداً من قبل. هذه ليست السياسة الخارجية الإيرانية التقليدية التي ترعى الإرهاب وتدعم المنظمات المقاومة التي تستهدف إسرائيل؛ فالامبريالية تغري الملالي، ولكنها تمثل أيضاً عبئاً اقتصادياً ثقيلاً. ومن دون اتفاق حول الحد من التسلح والمكافآت المالية التي سيجلبها هذا الاتفاق – من تخفيف العقوبات، والإفراج عن الأموال المجمدة في الخارج، والاستثمارات الجديدة – فإن إيران ستجد صعوبة في دعم هذا الصعود الامبريالي. ومع ذلك، فإن القول إن إيران ستستثمر جزءاً من الغنائم الاقتصادية التي ستحصل عليها نتيجة اتفاق نووي على احتياجاتها الداخلية ليس خاطئاً تماماً. ذلك أن الرئيس حسن روحاني ينتمي إلى جناح في المشهد السياسي الإيراني لطالما انجذب إلى ما يسمى «النموذج الصيني»، وهو النموذج الذي يشتري بموجبه النظام الرضا الداخلي من خلال توفير قدر من الفرص الاقتصادية لمواطنيه المخنوقين. فبعد مرور عامين على بداية رئاسته، نجد العديد من نشطاء المجتمع المدني يقبعون في السجون، والرقابة على الإعلام مستمرة ومتواصلة. والحال أن الدولة لا تستطيع الاستمرار في نظام من هذا النوع دون تخفيف معاناة ناخبيها. قد يحدث أن إيران، باقتصادها الصغير وسيئ التدبير، لن تستطيع محاكاة النموذج السلطوي الصيني، وخاصة أن «الحركة الخضراء» التي عرفتها إيران قبل ست سنوات مازالت تلقي بظلال طويلة؛ ولكن حتى يكون لديه أي أمل في النجاح في أهدافه، سيكون روحاني في حاجة إلى اتفاق حد من التسلح قدر حاجته إلى خامنئي. زميل «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»