تنظم اليوم ندوة كتاب «السراب» للدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، التي ستعقد تحت عنوان: «السراب.. الفكر المستنير في مواجهة الإرهاب».. وقد بحث الكتاب بتعمق في تكوين ذلك الفكر منذ البداية إلى يومنا هذا، وشرح وفصل كل الفرق الدينية السياسية التي لم تعِ الماضي والحاضر والمستقبل بنظام الكون ومنطق التاريخ والعقل وقوانين العلوم الإنسانية والاجتماعية الشبيهة بالعلوم الرياضية. أما وأن تستفرغ فئات الإسلام الحنيف في شكل سياسي، وأن تقوم باستخواء الدين في مجموعات حزبية، وأن تستبدل الإسلام السياسي بالإسلام ديناً، فهنا المصيبة العظمى والداهية التي ليس لها من دون الله كاشفة، وهو خطر على الدين والإسلام والمسلمين والبشرية جمعاء. وكتاب «السراب» الفريد من نوعه للدكتور جمال سند السويدي يقع في 737 صفحة وسبعة فصول وخاتمة وملاحق وهوامش ومراجع وفهارس، وفقاً للقواعد الأكاديمية والعلمية في الشكل ومكتوب بأسلوب عربي فصيح. أما من حيث المضمون فهو كتاب يشرح الواقع ويستعمل الحجج الدامغة والعقلانية للرد، ويستشرف المستقبل ويستحضر التاريخ وعلوم الدين والسوسيولوجيا الاجتماعية وغيرها في موضوع حساس يشغل الخاص والعام، ليس في وطننا العربي فحسب وإنما في العالم بأسره: إنه الإسلام السياسي.. فالكتاب يطرح أسئلة عديدة، ويقارب إشكاليات مقارنة بطريقة منهجية رصينة معتمدة في أدبيات المناهج العلمية في الأطروحات (كالدكتوراه) ومعتمدة في أعرق الجامعات العالمية، ويجيب عليها بحرفية وعلمية.. ويشير الكتاب إلى آثار الزج بالدين في السياسة والسياسة في الدين على البلدان العربية والمسلمة، ومن الأحزاب المنضوية فيها من قضت نحبها ومنها ما ينتظر، وهنالك من رزقت بذور الحكمة وبدأت تتساءل عن تلك «العصمة» وتلك «القداسة» وتلك الحلول السحرية لمشكلات المجتمعات التي كانت تدعيها.. فصندوق الانتخابات يمكن أن يوصل الحزب إلى الحكم ولكنه ليس كافياً للحكم، وهذا كلام في غاية الدقة. فبدون سند رجال الإدارة، أو لنقُل رجالات الدولة، وبدون رجال الأعمال والمستثمرين، لا يمكنك أن تبني دولة، بل حتى مؤسسة بسيطة، زد على ذلك أن من يريد أن يمثل شريحته وأتباعه فقط فإنه يبقى معزولاً في الداخل والخارج قبل أن يتحجّر عقله، ويصبح أكثر سلطوية وأكثر ديكتاتورية.. فالفرد ليست له سلطة مطلقة، لأن الحكم يقوم على نظام دقيق ومؤسسات محددة لا يكون الحاكم فيها إلا جزءاً من أداة الحكم، جزءاً مهماً ومؤثراً ولكنه على القطع ليس كل النظام وليس بديلًا عنه أبداً. وقد أحسن الزميل مشاري الذايدي، عندما تناول قصة «داعش» كاتباً في جريدة «الشرق الأوسط»: «هل المشكلة هي داعش فقط؟ داعش منتج صريح لمصنع نشط، عمل، وما زال، على إنتاج الثقافة التي توجد المخلوق الداعشي. أتى هذا المخلوق الداعشي من عناوين مثل: الحاكمية، وجاهلية القرن العشرين، وفتية الإيمان، والطليعة المؤمنة، والجماعة المسلمة، وغيرها مما تعج به عشرات الكتب والرسائل والخطب والمقررات، والأناشيد، والكلمات، في المدارس وخارجها، على مدى عشرات السنين، ومنبعها الرئيسي، وليس الوحيد، كان إخوان مصر ومعهم إخوان سوريا والأردن وفلسطين. الظواهري تلميذ سيد قطب، ومن يقرأ كتاب الظواهري «الحصاد المر» يقف على القصة. في فيديو جديد للظواهري حديث عن علاقة أسامة بن لادن بالإخوان، وأن أسامة تلقى تكليفاً من المرشد القطبي الخطير مصطفى مشهور للعمل مع الجماعة في أفغانستان. وعلى حيطان مدن الرقة ودير الزور، حيث خلافة داعش، كتابات من كلام سيد قطب. داعش التي أثارت بركان الغضب الأردني مؤخرا، ليست غريبة الوجه واليد واللسان عن أبناء الفكر القطبي الإخواني. بمناسبة الأردن، كان لافتا خروج منظِّر «القطبية السلفية» -هذا هو الوصف الأقرب ربما من «الجهادية السلفية»- على التلفزيون، بعدما أفرجت عنه السلطات الأردنية، للمرة الرابعة ربما، ليتحدث عن غدر داعش وتفاصيل مفاوضاته معهم لعقد صفقة إفراج عن الطيار الأردني معاذ الكساسبة..» وهذا كلام صحيح يضع الأصابع على الجرح الخطير الذي يفتك اليوم بالشعوب والأوطان. وتقرأ طرحاً رصيناً بعلمية وحرفية واستفاضة في كتاب «السراب» للدكتور جمال سند السويدي الذي بنى موقفاً فكرياً شمولياً للموضوع، وأنتج عقلًا استراتيجياً سياسياً عربياً حداثياً هو قابل لأن يتداخل ويتفاعل نظرياً وعملياً مع المعضلات السياسية الداخلية والخارجية وقضايا الدولة والمجتمع، فيقدم خلالها معرفة منهجية، يساهم بها في ترشيد التوجيه والممارسة: ممارسة عملية التغيير والتقدم.