ثمة شيئان لا يمكن لأي مرشح جاد للرئاسة الأميركية في 2016 أن يكون غامضاً وموارباً بخصوصهما: إنهما الإنفاق على الدفاع والشراكة عبر المحيط الهادي. فالسياسة والاستراتيجية الخارجيتان ستكونان محوريتين في الحملة الانتخابية المقبلة نظرا لأن العالم أضحى أكثر خطورة، والنظام العالمي الذي أسسته الولايات المتحدة أخذ يفشل وينهار، والدور الحاسم لأميركا كزعيم في النظام العالمي بات موضع شك على نحو متزايد. ولهذا، فإن أحد العناصر الأساسية لاستعادة الزعامة الأميركية هو زيادة الإنفاق على الدفاع. بيد أن عنصرا آخر لا يقل أهمية يتمثل في دعم وتعزيز نظام تجارة حرة يساهم في تقريب الولايات المتحدة من حلفائها الأوروبيين والآسيويين بشكل أكبر. والواقع أن الأمر في آسيا بشكل خاص أكبر من مجرد موضوع تجارة، وإنْ كانت الولايات المتحدة ستستفيد من الاتفاق إذا تم التفاوض حوله بشكل جيد. ذلك أن الأمر، فوق كل شيء، موضوع استراتيجي بالنظر إلى أن الولايات المتحدة والصين تتنافسان في عدة مجالات. ثم إن الخبراء المتخصصين في آسيا، سواء من «الديمقراطيين» أو «الجمهوريين»، يعتبرون اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي عنصرا أساسيا من استراتيجية الولايات المتحدة في آسيا، وهذا يجرنا للحديث عن هيلاري كلينتون. فحين كانت وزيرة للخارجية، قالت وفعلت كل الأشياء الصائبة، حيث دعمت اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي من دون تحفظ لأسباب اقتصادية واستراتيجية. ولم يكن لهذا الأمر أي علاقة بالولاء لأوباما، ذلك أنه كان معروفا عن هيلاري أنها لا تتوانى في توضيح خلافاتها مع الرئيس حول عدد من المواضيع، غير أنه اليوم، وبينما يبدو مصير الاتفاقية معلقاً في الميزان، وبعد أن تم التصويت على المسألة المهمة جدا المتمثلة في «سلطة الترويج التجاري» في مجلس الشيوخ، تلوذ كلينتون بالصمت، بل الأدهى أنها ألمحت إلى تخوفات بشأن الاتفاقية. وربما كلينتون هي الوحيدة التي تعلم ما إن كان الأمر يتعلق بموقف يسعى لتجنب إثارة حفيظة الجناح اليسار لحزبها، ولكن الأكيد أنه موقف بعيد كل البعد عن تصريحاتها ومواقفها حين كانت رئيسة للدبلوماسية الأميركية. وفي عالم يحتاج بشدة للزعامة الأميركية ولكنه مازال مرتاباً في القوة الأميركية، فإنه لا يوجد شكل أكثر فعالية للانخراط العالمي للولايات المتحدة من تعزيز النظام العالمي للتجارة الحرة. وفي آسيا بشكل خاص، حيث يعتقد الكثيرون أن في هذه القارة يكمن مستقبل الولايات المتحدة الاقتصادي، فإن نسج علاقات تجارية قوية يمثل استراتيجية ذكية وسياسة اقتصادية ذكية. زميل مؤسسة بروكينجز في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس