ربما تثبت الانتخابات العامة البريطانية المزمع اجراؤها مطلع الشهر المقبل أهميتها لأوروبا وحتى للولايات المتحدة، بنفس قدر أهميتها لبريطانيا نفسها. ويتعين على الناخبين البريطانيين القيام باختيار غير مسبوق بين «المحافظين» و«العمال» والحزب «الليبرالي الديمقراطي» وحزب «القوميين الاسكتلنديين» وحزب «المستقلين» البريطاني وحزب «الخضر»، وهذه الأحزاب فقط من المحتمل أن يكون لها تأثير على نتائج الانتخابات. وبالنسبة للناخبين الذين اعتادوا بشكل جماعي لما يقرب من قرن من الزمان على حزب «المحافظين» و«الليبراليين» و«العمال» و«اليسار» غير القابل للانتخاب فقط، فإن هذه المجموعة الرائعة من الخيارات السياسية تمثل لغزا لأولئك الذين سيتوقعون النتائج هذا العام. وحتى كتابة هذه السطور، هناك توافق وثيق بين حزبي «المحافظين» والعمال في رأي الناخبين لدرجة أنهم تقريباً لا يرون أي فارق. وأي منهما، والذي سيفوز بهامش ضئيل، واثق تقريباً من حاجته إلى شريك في الائتلاف لتشكيل حكومة. والمرشحون لهذا الدور هم الحزب «الليبرالي الديمقراطي»، الذي شارك «المحافظين» الحكم في الحكومة الحالية المنتهية ولايتها، ولكنه كان دائماً يخفي مشاعر تعاطف «يسارية» وسيصاب بصدمة إذا تقاسم الحكومة مع حزب «العمال» بزعامة «إد ميليباند». ورغم ذلك، فالأمر الذي يجده المعلقون البريطانيون أكثر إثارة للاهتمام هو احتمال أن يأتي الحزب «القومي الاسكتلندي»، الذي تولت زعامته مؤخراً «نيكولا ستورجيون»، في المركز الثالث (أو حتى الثاني، ولكن دون نتيجة تكفي لأن تجعله المعارض الرسمي). ورغم ذلك، فهو الآن ثالث أكبر حزب في بريطانيا، ويبلغ عدد أعضائه 110 آلاف، ولذا فقد يكون له مطالب قوية ليكون في التحالف، ويكون من القوة بحيث يفرض بصمته على سياسات الحكومة الجديدة. وربما تكون اسكتلندا في هذه الحالة قد خسرت محاولتها للحصول على الاستقلال العام الماضي ولكن سيكون لها تأثير لا يقاوم في تشكيل حكومة ائتلافية في بريطانيا. ثم لدينا حزب «المستقلين» البريطاني، الذي يدعو إلى الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، أو ربما يمكن القول واحداً من حزبين مناهضين لأوروبا في بريطانيا إذا أخذنا في الاعتبار حزب «المحافظين»، الذي تمنعه عوامل مثل الأعمال التجارية، ومدينة لندن، والضغوط من الولايات المتحدة من الانشقاق عن موقفه المتشدد. فأعضاؤه بوجه عام يكرهون الاتحاد الأوروبي، بيد أن قادته يقبلون الحجج الواقعية مثل أن الاقتصاد الصناعي البريطاني يحتاج أوروبا وأنه من غير المرجح أن يحتفظ التمويل البريطاني بمكانته كأهم منافس في العالم لوول ستريت بدون عضوية الاتحاد الأوروبي. وأخيراً، ما هو دور بريطانيا إذا ما توقفت عن كونها مدخل واشنطن لأوروبا وعميل النفوذ في بروكسل؟ وقد أخضع ديفيد كاميرون وتوني بلير، وكل من سبقوهم في حقبة ما بعد الحرب، الفخر الوطني لرغبات واشنطن. وقد فعلوا ذلك لأن هذا ما أمرهم به رجلهم العظيم «وينستون تشرشل». كان «تشرشل» مقتنعا أن بريطانيا يجب أن تبتكر وتغذي «العلاقة الخاصة» حتى وإنْ كانت بلاده فازت في الحرب العالمية الثانية في أوروبا. لقد صمدت ضد هتلر، وفازت بمعركة بريطانيا، واختبرت «روميل» في شمال أفريقيا، وفازت في معركة «العلمين» في نفس الوقت الذي فاز فيه الروس في «ستالينجراد»، ولم يفز هتلر بأي معركة كبيرة بعد ذلك. بيد أن تشرشل اعترف أن جنود أميركا وعتادها كانوا السبب في النصر في أوروبا (حتى وإنْ كانت الإمبراطورية البريطانية قدمت عدداً أكبر من الرجال في معركة نورماندي خلال الحرب العالمية الثانية). وكان يتوقع أن تكون العلاقة علاقة «أنداد». أما واشنطن، فكانت فقط تراها باعتبارها الخضوع الضروري لبريطانيا. ولهذا السبب، فإن المؤلف المشارك في كتابة السيرة السياسية لزعيم حزب العمل «إد ميليباند»، وهو المذيع مهدي حسن، كتب في «نيويورك تايمز» أنه بالرغم من طفولة «ميليباند» في الولايات المتحدة وتدريسه في «هارفارد»، إلا أنه كان معارضاً دائماً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة (وإسرائيل). لذا، فإن انتخابات مايو قد تؤدي إلى نتيجة دراماتيكية أو أكثر في العلاقات عبر الأطلسي. الأولى هي انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يريده زعيم حزب الاستقلال «نايجل فاراج»، والذي يبدو الآن أنه يتلاشى وتطغى عليه «نيكولا ستورجيون»، زعيمة الحزب «الوطني الاسكتلندي». ويعد زعيم حزب «المحافظين» ديفيد كاميرون بأن يجري استفتاء وطنياً، حال فوزه، بشأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. إن التأييد الشعبي في بريطانيا لترك أوروبا كبير، بيد أنه قد يتلاشى عندما يحين الوقت لمواجهة حقيقة هذه الخطوة الخطيرة. وإذا فاز حزب «العمل»، وأصبح يتعين عليه تشكيل ائتلاف مع الوطنيين الاسكتلنديين أو الديمقراطيين الليبراليين، فإن العواقب الرئيسية ستكون محلية، في الاقتصاد والسياسة الاجتماعية، والدور الذي تلعبه بريطانيا في بروكسل. وإذا كان مهدي حسن محقاً، فإن ائتلافاً أو حكومة بزعامة حزب «العمال» قد تؤدي إلى مشكلة خطيرة في العلاقات الأميركية - الأوروبية وفي السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»