زيارة إماراتية مهمة
تعدّ زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى واشنطن ولقاؤه بالرئيس باراك أوباما، قبل يومين، عند السياسيين زيارة مهمة ولها دلالات استراتيجية في العلاقات بين البلدين من جانب، وفي رغبة الولايات المتحدة -الحليف الاستراتيجي لدول الخليج- في معرفة وجهة نظر أهل المنطقة في قضاياها من جانب آخر، على اعتبار أن هذا مطلب أساسي من أبناء المنطقة.
يبدو واضحاً أن الإدارة الأميركية في حاجة إلى هذه الزيارة لأكثر من سبب. أبرزها، أنها تسبق اللقاء المرتقب بين أوباما والقادة الخليجيين يومي 13 و14 مايو المقبل. كما أن الحاجة إلى هذه الزيارة بالنسبة إلى الإدارة الأميركية تنبع من أنها تأتي في توقيت حساس جداً، حيث إن العديد من المعطيات «الجيوسياسية» الجديدة التي تلاحقت خلال الفترة الأخيرة غيرت المعادلة، أو أنها تسير نحو تشكل جديد، ما جعل مناقشتها مع «أحد الفاعلين الإقليميين» أمراً ضرورياً. والنقطة الأهم، أن الشيخ محمد هو شخصية سياسية استثنائية في منطقة مهمة في الاستراتيجية الدولية، فسموّه شخصية تتميز برؤية مختلفة لما تمر به المنطقة من تحديات داخلية وإقليمية لها أبعادها على الاستقرار العالمي. والرسالة هنا، أن الولايات المتحدة ترغب في عودة الثقة بينها وبين حلفائها التقليديين في المنطقة.
إذا نظرنا -كمراقبين- إلى ما يحدث في المنطقة فإننا، نستطيع أن نتخيل ما حملته الحقيبة الدبلوماسية لولي عهد أبوظبي في لقائه مع الرئيس أوباما، فهناك الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران وما يمكن أن يتمخض عنه من علاقة أميركية- إيرانية، والتي سيكون لها بالتأكيد تأثير في دول الخليج. وهناك الملف اليمني باعتباره التحدي «القديم الجديد» في المنطقة، ولاسيما أن هذا التحدي لن ينتهي بمجرد إلحاق الهزيمة بالحوثيين، ولكن لأن المرحلة السياسية التالية في اليمن ربما تكون الأصعب. كما أن الحرب ضد «داعش» ملف آخر حساس يحتاج من أهل المنطقة أن يبدوا رأيهم فيه، وكذلك الملف السوري. وفي الواقع، لم يعد سراً أن الإمارات واحد من الأطراف الأساسية التي تعرف ماذا يفترض أن تكون عليه المنطقة. وتعرف المخاطر التي تحدق بها، وبالتالي فإن وجهة نظرها في هذه اللحظة تبدو مهمة، وهناك في المنطقة من هو متردد وربما ضائع ولا يعرف ما يحدث.
إن دولة الإمارات لها اليوم شأن ووزن كبيران في اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، حيث حضرت في كل ملفاتها بجرأة وشفافية، بل إنها سبقت الدول الأخرى في تحديد موقفها، وخاصة من ملفّي تيار الإسلام السياسي و«الربيع العربي». وقد دافعت عن وجهة نظرها بما تملي عليها مسؤوليتها تجاه العالم والمنطقة. ولذا، لو تتبعنا السياسة الخارجية الإماراتية لوجدناها في كل الملفات تسهم مع المجتمع الدولي في البحث عن الحلول، وقد أصبحت لديها مصداقيتها العالمية لتحقيق الاستقرار. وليست زيارة الشيخ محمد، التي تسبق اجتماعاً لقادة الخليج مع الرئيس أوباما، إلا دليلاً على ذلك.
وبشكل أدق، فإن السياسة الإماراتية، من خلال المتابعة، تنشط غرباً بالقدر الذي تنشط به مع الشرق، وذلك في محاولة اتباع سياسة متوازنة مع القوى الكبرى، وبالتالي فهي محل تنافس. كما أن نشاطها السياسي كقوة إقليمية صاعدة في المجال السياسي والاقتصادي والأمني، وذات رؤية واضحة، يجعلها في موضع «الاستئناس» بوجهة نظرها، وبالتالي فإن لقاء ولي عهد أبوظبي مع متخذي القرار الأميركي، يأتي من هذا المفهوم. ومن جانب آخر فإن للإمارات صوتاً في القضايا الإقليمية، وينبغي على الآخرين أن يسمعوه.
والنقطة العملية بعد هذه الزيارة القصيرة، أن الرئيس أوباما المتهم من قبل المحللين في العالم بأنه «متكاسل» في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وبأنه يتبع سياسة «الانعزال» عن التدخل في قضاياها، قد أخذ علماً بنتائج هذه السياسة وآثارها السلبية. كما أخذ علماً بأن الخليجيين، وخاصة الإمارات والسعودية، أصبحت لهم مقاربة خاصة لكل ما يهدد المنطقة، وهذا ما لمسناه في دعم مصر، والتدخل العسكري في اليمن ورفض سياسة الأمر الواقع التي تفرضها الميليشيات على الدولة.
الإمارات باتت رقماً مهماً في الحسابات الدولية، وخاصة في القضايا التي لها علاقة مباشرة بالمنطقة، إذ بات لها رأيها في الملفات الاستراتيجية.