كتاب «السراب».. ندوتان ونقاش
خلال الأسبوع الحالي حضرت ندوتين حول كتاب «السراب» للدكتور جمال سند السويدي أستاذ العلوم السياسية ومدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الأولى كانت بمقر وزارة الخارجية في أبوظبي والثانية احتضنتها جامعة الإمارات في العين. وقد انطلقت الندوتان من الكتاب، عرضاً وتحليلًا، ثم فُتح نقاش عميق حوله من قبل الحاضرين، الذين كانت لديهم تساؤلات عن الكتاب، وتعليقات حوله، أو لصيقة الصلة بالموضوع الذي يتصدى له، والتقسيمات التي حواها من المقدمة إلى الخاتمة.
وبيّنت الندوتان أن هناك جمهوراً عريضاً في دولة الإمارات يريد أن يعرف أكثر عن «الجماعات الدينية السياسية» أو الجماعات والتنظيمات المتطرفة التي تتخذ من الإسلام أيديولوجية أو مشروعاً سياسياً لها، ويحاط خبراً بأفكارها ومختلف تنظيماتها وكيفية التصدى لها، أو التغلب عليها، وهي المسألة التي عكسها سؤال وجهه طالب بجامعة الإمارات يقول: «هل يمكن أن تختفي هذه الجماعات من حياتنا تماماً؟» وهو سؤال كان يحمل من التمني أكثر مما يحمل من الاستفهام، لأن صاحبه عاد يقول: «متى سنستريح منها؟».
وكانت الأسئلة الأهم تدور حول الأسباب التي تؤدي إلى التطرف أو تغذيه: هل هي اقتصادية تعود إلى الفقر والعوز والاحتياج؟ أم أن العامل الأكبر الذي يقف خلفها هو الفكر المعوج؟ أم هي الصدمة الحضارية والضغوط النفسية التي تتعرض لها هذه التنظيمات وأتباعها؟
في الكتاب هناك إجابات على كثير من هذه الأسئلة، بل الأهم هو وقوف الكتاب على الأسباب التي تقود بالضرورة إلى فشل الجماعات الدينية السياسية في تحقيق مقاصدها، وهذا ما حدا بالمؤلف إلى تسمية كتابه بـ«السراب»، إذ إن ظمأ الناس إلى الامتلاء الروحي والسمو الأخلاقي والخيرية أو النفع العام والتكافل والتراحم لا يمكن أن تحققه هذه الجماعات على رغم أنها تملأ الدنيا مزاعم حول قدرتها على هذا.
والكتاب تتابعت محتوياته بلغة سلسة وعلمية في آن، ويتسم بالشمول نسبياً، على مستوى المنهج والإطار النظري والحالات التطبيقية علاوة بالقطع على الدراسة الميدانية. ويتضح من مطالعة الكتاب عمق الجهد العلمي المبذول في تأليفه وتدقيقه، ولاسيما أنه يحوي خريطة متكاملة ودقيقة لأبرز الحركات الدينية المتطرفة المنتمية إلى ما يسمى «الإسلام السياسي» التي ظهرت على الساحة العربية والإسلامية في العقود الأخيرة، وذلك على غرار ما فعله «هربر دكمجيان» من قبل، ولكن رؤيته تقف عند مطلع التسعينيات من القرن العشرين وقد استكمل كتاب «السراب» ما أهمله من جماعات وتنظيمات.
في الكتاب استفاضة في سرد تاريخ وأفكار وممارسات «الإخوان» و«السلفيين» و«السروريين» ومختلف التنظيمات «الجهادية» إلى جانب علاقة الصراع بين الدين والسياسة وخرافات ما يسمى بـ«الإسلام السياسي» واتجاهات الرأي العام حول هذه الجماعات السياسية، وقراءته في إمعان تجعل بوسعنا أن نخرج بالإجابة على سؤال مؤجل بات طرحه حتمياً ألا وهو: هل بات المسلمون في حاجة ماسة الآن إلى إصلاح ديني؟
ومن خلال متابعة النقاش في الندوتين المشار إليهما سلفاً، هناك طلب على موضوعات متممة أو ذات صلة، يمكن أن تدفع د. جمال سند السويدي إلى أن يخصص كتابه المقبل، إن شاء الله تعالى، لدراسة حالات أخرى متنوعة ترتبط بظاهرة «الجماعات الدينية السياسية» التي أفرزها المذهب الشيعي فكراً وممارسة، وكذلك تتبع مظاهر «الأصولية» أو التشدد والتعصب في الأديان الأخرى، وكيف تمكن اتباعها من علاج الأمر في العصر الحديث؟
كما يصبح الباب مفتوحاً أمام دراسة الرؤى التوفيقية أو التلفيقية التي تمثلت في «اليسار الإسلامي» الذي جسدته تصورات عدة منها ما كتبه مصطفى السباعي عن «اشتراكية الإسلام» وما كتبه حسن حنفي عن «اليسار الإسلامي» إلى جانب حصيلة ما انتهى إليه «الحوار القومي الإسلامي» على مدار أكثر من عقدين من الزمن. وتمثلت أيضاً فيما يسمى «الإسلام الليبرالي» المتجسد في رؤى خالد محمد خالد، وسعيد العشماوي، وجمال البنا، وفرج فودة وعبد الجواد ياسين وبعض تصورات عبدالوهاب المسيري ومحمد عابد الجابري وعبد الإله بلقزيز، وما كتبه عدد من الليبراليين العرب عن رؤيتهم لعلاقة الإسلام بالسياسة، ثم تجربة من يسمون «الإسلاميين المستقلين» مثل رضوان السيد وطارق البشري ومحمد سليم العوا وغيرهم، مع الأخذ في الاعتبارات التباينات فيما بينهم.