في الوقت الذي تبذل فيه الدولة جهوداً مستمرة من أجل الارتقاء بالرعاية الصحية المقدمة لأفراد المجتمع، فلا تزال هناك بعض المؤسسات العاملة في القطاع الصحي لا تلتزم بالمعايير التي تضعها الجهات المعنية في هذا الشأن؛ ما يؤثر في مستوى الخدمة المقدمة، والوقوع في مخالفات جسيمة تشوه حجم الإنجازات النوعية التي تحققت في هذا القطاع الحيوي على مدار السنوات الماضية. ولعل إعلان هيئة الصحة في أبوظبي، مؤخراً إغلاق أربعة مراكز صحية مؤقتاً، بعد رصد عدد من المخالفات، يسلط الضوء على هذه الإشكالية بوضوح، خاصة أن هذه المخالفات لا يمكن التهاون بشأنها لأنها ترتبط بصحة أفراد المجتمع، سواء تلك المتعلقة بعدم الالتزام بالمعايير الخاصة بتعقيم الغرف أو تلك الخاصة بعدم وجود آلية لتنظيف وضبط جودة الأجهزة الطبية؛ لأنها في الأغلب تؤثر سلباً في المستوى العام للخدمات الصحية. إن تحرك هيئة الصحة في أبوظبي، لا شك في أنه يؤكد أن هناك رقابة فعالة على المراكز الصحية المختلفة، لكن الأمر في حاجة إلى تطوير وتعزيز هذه الرقابة؛ لتشمل المستوى المهني للممرضين وبعض الأطباء الذين يفتقرون إلى الخبرة والتأهيل اللازمين للعمل في المراكز الصحية، وما يقتضيه ذلك من إعادة النظر في شروط استقدام الأطباء والممرضين، لأن بعض المراكز الصحية العاملة في الدولة في إطار سعيها إلى تعظيم مكاسبها المادية، لا تهتم في بعض الأحيان بالمستوى المهني للأطباء، ولا تبذل أي جهود لإعادة تأهيلهم. ولعل تزايد الشكاوى من جانب بعض المرضى، والتي تنشرها الصفحات المحلية من حين إلى آخر، هي ناتجة في الأغلب من هذا الجانب. وتشير الإحصائيات في هذا الشأن، إلى أن عدد الشكاوى الطبية التي تسلمتها وزارة الصحة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بلغ 136 شكوى، وبلغت نسبة الممارسات الطبية الخاطئة من مجموع الشكاوى الطبية حوالي 7% لكل عام، وتمثل نسبة الوفيات من إجمالي الشكاوى الطبية معدل 4% لكل عام، وتمثل النسبة المئوية للخطأ الطبي 1% من إجمالي دخول المرضى للمستشفيات، بمعدل 1000 مريض سنوياً، وعلى الرغم أنها نسب ضئيلة جداً مقارنة بالدول الأخرى، فإنه من المهم والضروري العمل على معالجة المخالفات التي تقف وراء هذه الشكاوى والأخطاء، حتى يكون القطاع الصحي معبراً عن النهضة الشاملة التي تشهدها الدولة في المجالات كافة. لقد وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في شهر مارس الماضي، بضرورة تعزيز منظومة التشريعات والخدمات الصحية التي تقدمها الحكومة الاتحادية؛ تماشياً مع أفضل المعايير والممارسات المعتمدة في هذا المجال، وبما يعزز من الدور الرقابي والتشريعي للحكومة لضمان تلبية حاجات الناس؛ وفق أعلى المعايير الطبية، وهذا إنما يعكس حرص القيادة الرشيدة على الارتقاء بالرعاية الصحية المقدمة لأفراد المجتمع؛ لأنها تدرك بأن توافر رعاية صحية متقدمة، يمثل مدخلاً رئيسياً لنجاح استراتيجيات التنمية الشاملة والمستدامة، فالرعاية الصحية أصبحت وفقاً للأدبيات الاقتصادية ركيزة التنمية، فتوفير رعاية صحية متقدمة، يؤدي إلى إيجاد مجتمع صحي معافى، يسهم أفراده في تعزيز العملية التنموية ودفع العجلة الإنتاجية على الصُّعد كافة، وفي مختلف المجالات. ولعل ما يعزز هذا التوجه أن الدولة تتبنى رؤى طموحة لتطوير القطاع الصحي، والنهوض به، سواء لإيجاد كوادر فاعلة في قطاع الخدمات الصحية أو إدارة المنشآت الصحية بأساليب متطورة أو استقطاب أكبر المنشآت والشركات العاملة في المجال الصحي والطبي، بما يعزز مكانتها العالمية في هذا المجال. ـ ـ ـ ـ ــ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.