كل جيل جديد يأتي، ينتزع دفّة القيادة من الجيل الذي سبقه، من خلال تقديم لغة مغايرة وأفكار متطوّرة، كون الشباب يتسمون في كل الدنيا بروح المغامرة وحب التحدّي، ثم يخفت حس التمرّد لديهم مع تقدّم العمر ورسوخ الأماني وسقطات الأيام! فالشباب بطبيعتهم يشبّون وهم محمّلون بأفكار مختلفة عن تلك التي تبنّاها جيل الأمس، وهي سنّة من سنن الحياة، ولولا هذا التمرّد الإيجابي المصاحب لكل جيل لما تطوّرت المجتمعات، ولأصابها الجمود، ولحقها الخمول! لكن هذا الأمر المحتوم لا يعني بأن كل جيل يستسلم طواعيّة للجيل الذي يأتي بعده، بل دوماً تحدث مصادمة شرسة بينهما لإيمان الطرفين بأن البقاء للأقوى والأصلح، مما يؤدي إلى هذه النتيجة الحتميّة في كل مجتمعات الأرض! على النطاق الأسري، كثيراً ما نجد شدا وجذبا بين جيل الآباء الذي يتحدّث بلغته التقليديّة، وبين الأبناء الذين يتحدثون بلغة جديدة! فنجد الآباء يتحسرون على زمانهم، ويتهمون أبناءهم بالعقوق، ويعتبرون احتجاجهم نوعاً من العصيان عليهم. ويصرخ الأبناء.. آباؤنا لا يفهموننا! والحقيقة أن لغة التفاهم معدومة بسبب تمسّك كل طرف بمفاهيمه التي اعتنقها بصنيعة يديه! لذا فإنَّ عبارة الإمام علي بن أبي طالب التي قالها قبل أكثر من الف وأربعمئة عام لا تُجافي الحقيقة «لا تُجبروا أولادكم على عاداتكم، فقد خُلقوا لزمان غير زمانكم». بلا شك أن جيل اليوم يختلف كليّاً عن جيلنا، وعن الأجيال التي سبقتنا! فهو جيل الإنترنت والـ«واتس اب» وشبكات التواصل الاجتماعي، وقد اخترع لنفسه لغة للتخاطب من الصعب على ابناء جيلي أن يفهموها! وأضحت هناك مساحات رحبة للتعبير عن وجهات نظره كنّا نفتقدها في زماننا! ولا أبالغ إذا قلت إن هناك مثقفين يُشار لهم بالبنان، يرفضون لحد اليوم انشاء صفحة على «فيسبوك» أو «تويتر»، بل وأعرف أشخاصا يرفضون اقتناء جوّال من منطلق أنه سيأخذهم عن مشاغلهم، ويعتقدون بأن هذه الابتكارات الحديثة ليست سوى مضيعة للوقت وتجميد للجهد الفكري! هذه الفجوة القائمة بين الجيل الجديد والأجيال السابقة لم تعد تقتصر على نطاق الأسرة، بل تجاوز الأمر ليصل مجال العمل! فنرى أن هناك صراعاً خفياً بين الرؤساء الذين ينتمون للجيل القديم، وبين جيل الشباب الذي يُريد طرح أفكار جديدة وفرض مشروعات حديثة في مجال عمله، مما يجعل الجيل القديم ينظر بحذر لطروحاته، ويراها بأنها هدم لبنية أفكاره التقليديّة التي اعتنقها سنوات طويلة. لا يُمكن أن يُلغي الجيل القديم إيقاع العصر الحالي بالوقوف في وجهه، بل الحل في التعاطي مع تبعاته بحكمة والاستفادة منها. عليه أن يُدرك بأن الحياة لابد أن تتطوّر، وأن التشبّث بالقديم ليس حلاًّ مضموناً للاستمراريّة! وأنّه كما كان في الماضي يملك روح التمرّد والثورة وأحدث وقتها تغييراً في مجتمعه، عليه أن يُفسح الطريق للشباب في أن يُساهموا هم أيضاً في تطوير مجتمعاتهم بأفكارهم الحديثة. كما على جيل الشباب أن يحترم الجيل الأكبر سنّاً، ويُدرك بأن خبرة السنوات مهمّة، وألا يسعى لإلغائه والتخطيط لإقصائه! التوازن مطلوب بكافة أمور الحياة، والواجب يُحتّم ألا نُعطي الفرصة لطوفان الأنانية أن يجتاح أرضيّة مجتمعاتنا، بالتغنّي بخصال الجيل القديم، والتحسّر طوال الوقت على الأمس بمفاهيمه ومبادئه التي يُريد الشباب ذبحها بدم بارد! كما يجب أن يتوقّف سيل التنقيص من قُدرات الشباب، وتقريعهم، ونعتهم بالتهوّر، واتهامهم بأنهم يُريدون الانقضاض على كل ما هو أصيل! الإيمان بأن الشباب هم المستقبل، وأن لهم أحلامهم التي يُريدون تحقيقها في مجتمعاتهم هي بداية سد الفجوة. كاتبة سعودية