على الرغم من كثرة الكتب التي صدرت في الغرب خلال الفترة الأخيرة حول سيرة ومسيرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسياساته وتوجهاته التي جعلته يصطدم بالغرب منذ نشوب الأزمة الأوكرانية خاصة قبل أكثر من عام، إلا أن كتاب الفيلسوف «ميشل ألتشانينوف» الصادر مؤخراً تحت عنوان: «في رأس فلاديمير بوتين» يتميز بقدرة خاصة على النظر إلى سيد الكرملين، من منظور قومي، يراعي الدوافع الوطنية ذات المسحة القومية الروسية العميقة المحركة لسياساته، والداعمة لطرحه أيضاً لدى قطاعات واسعة من النسيج الشعبي الروسي. وفي هذا المقام يقول الكاتب، ابتداءً، إن مطلع شهر يناير من العام الماضي، عرف هدية رئاسية خاصة بمناسبة العام الجديد تم توزيعها على كبار الموظفين الروس، وحكام الأقاليم، وكوادر حزب «روسيا الموحدة» الحاكم، تمثلت في طبعات من الأعمال الفلسفية لكبار المفكرين الروس في القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد مر هذا التوزيع الرئاسي لأمهات الكتب الفلسفية الروسية الكلاسيكية دون أن يثير اهتمام كثيرين في الغرب مع أن له معنى عميقاً، من وجهة نظر الكاتب، حيث إن الرئيس الروسي يسعى من خلاله لإعادة التعبير عن التعلق بالرموز الفلسفية المؤسسة للوطنية القومية الروسية، واعتبارها سلفاً ثقافياً وفكرياً لحزبه الرامي لإعادة إحياء أمجاد ودور وحضور الإمبراطورية الروسية على أسس جديدة وبشكل أبلغ تأثيراً على المسرح الدولي. ويقول الكاتب إن الرئيس بوتين قد استشهد مؤخراً ببعض كبار الأدباء والكتاب الروس في خطابات مصيرية، في تعبير عن الرغبة في إعادة تذكير الروس ببعض الأفكار والأطروحات النمطية حول الذات، وحول الآخر الغربي أيضاً، التي تصادفنا في أعمال بعض أولئك الفلاسفة والكتاب، من قبيل التأكيد على فضائل النزعة المحافظة، والأصالة، وضرورة إدخال نزعة أخلاقية دينية قوية في السلوك الشخصي وأيضاً في الفضاء الاجتماعي العام، وكذلك المهمة التاريخية المنتظرة من الشعب الروسي في مواجهة عداء الغرب المزمن. وفي هذا الكتاب الواقع في 171 صفحة يحاول الكاتب تتبع كل واحدة من هذه الصور النمطية التقليدية الراسخة في الذهن الروسي، وخاصة فيما يتعلق بالفكرة السائدة لديه عن نفسه، وعن موقف الغرب العدائي تجاهه، وبطبيعة الحال فإن العودة إلى الجذور الفكرية والأدبية الكلاسيكية المؤسسة لهذه الأفكار في الأدب والثقافة الروسية تكون خياراً حاذقاً، على نحو ما فعل بوتين بتوزيعه الكتب على كافة من يتوقع أن يكون لهم تأثير في دعم موقفه، ومشاركة تصوره السياسي والأيديولوجي، من موقع المسؤولية والفاعلية. وإذا نظرنا من هذه الزاوية نستطيع أن نرى بوتين الحقيقي، من وجهة نظر المؤلف، بعيداً أيضاً عن الصور النمطية المضادة الرائجة في الغرب عن الزعيم الروسي، والتي يربطه معظمها بماضٍ سوفييتي، بل يبرز بعضها ما ينسب إليه من تحسر على انهيار الإمبراطورية السوفييتية السابقة، ووصفه لذلك الحدث الجلل بأنه كان أكبر كارثة في القرن العشرين. والحال أن بوتين الذي يصادفنا هنا في هذا الكتاب هو بوتين القومي الروسي، الطامح لانتشال بلاده من وهدة ما بعد السقوط السوفييتي، وإعادة وصلها بماضيها القومي الممتد إلى العهد القيصري، وهو ما يفسر حساسيته تجاه آداب وخرائط تلك الفترة، وسعيه لاستعادتها بحذافيرها، وهذا ما أدى، تالياً، لاصطدامه مع الغرب، على نحو بلغ الذروة بعد ضم شبه جزيرة القرم العام الماضي، وما تلا ذلك من مخاضات الأزمة الأوكرانية اللاحقة. حسن ولد المختار الكتاب: في رأس فلاديمير بوتين المؤلف: ميشل ألتشانينوف الناشر: آكت سيد (بالمشاركة) تاريخ النشر: 2015