أظهرت دراسة حديثة أجراها مجموعة من العلماء بكلية الطب، بمدينة «آنسان» في كوريا الجنوبية، أن الأشخاص الذين يميلون للسهر والنوم متأخراً، تزداد لديهم احتمالات التعرض للإصابة بالسكري من النوع الثاني، وغيرها من المشاكل الصحية، مقارنة بالأشخاص الذين يخلدون للنوم مبكراً ويستيقظون مبكرين، حتى في حالة تساوي عدد ساعات النوم الإجمالية بين المجموعتين. وخلصت الدراسة إلى هذه النتيجة، بعد مراجعة عادات النوم لـ1600 شخص، تتراوح أعمارهم بين 47 و59 عاما، وبعد خضوعهم لفحوصات وتحاليل طبية متنوعة، للوقوف على حالتهم الصحية العامة. الغريب أنه بغض النظر عن نمط الحياة الشخصية، زادت مخاطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني بين المجموعة التي تخلد للنوم في أوقات متأخرة، كما أن أجسامهم تعرضت لحالة صحية معروفة (Sarcopenia) يفقد فيها الجسم تدريجياً نسبة من الكتلة العضلية، وهي الحالة التي تحدث بشكل طبيعي في من تخطوا سن الخمسين، ضمن الشيخوخة والهَرَم. ورغم أن الساهرين كانوا ينتمون لفئة عمرية أصغر سناً، إلا أنهم كانوا يعانون من مستويات مرتفعة من الدهون ضمن مجمل كتلة الجسم، بالإضافة إلى مستويات مرتفعة من الدهون في الدم، مقارنة بمن يستيقظون مبكراً. وعلى صعيد الجنس أو النوع، تميز الإناث اللاتي يملن للسهر بكمية أكبر من الدهون حول وسط الجسم (الكرش)، وبارتفاع في احتمالات الإصابة بالمنظومة أو المتلازمة الأيضية، وهي عبارة عن مجموعة من الاضطرابات الصحية التي تزيد من خطر التعرض لأمراض القلب والشرايين، مثل الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية. وفسر العلماء هذه التبعات الصحية للسهر، على أنها ربما تكون بسبب عدم تمتع من يميلون للسهر أساساً بنوعية نوم جيدة، وارتفاع نسبة التدخين بينهم، وتناولهم لوجبات طعام في وقت متأخر من الليل، وجنوحهم لنمط حياة ينخفض فيه مقدار النشاط البدني والابتعاد عن ممارسة الرياضة. وتثبت هذه الدراسة، خطأ الفكرة الطبية-الفلسفية، إن صح التعبير التي طرحها أحمد رامي في قصيدة رباعيات الخيام، وأنشدتها أم كلثوم ولحنها لها رياض السنباطي، عندما قال: فما أطال النوم عمراً ولا قصّر في الأعمار طول السهر. وعلى المنوال نفسه، يمتلئ التاريخ بقصص العظماء والمشاهير، الذين كانت لكل منهم وجهة نظره وسلوكه الخاص فيما يتعلق بالنوم. فمثلاً القائد الفرنسي الشهير «نابليون بونابرت» كان دائماً ما يدعي أنه لا ينام إلا ساعات قليلة يومياً، وهو ما نفاه جنرالاته المرافقون له في غزواته، بينما يقدر المؤرخون أن الكثير من الأخطاء العسكرية التي وقع فيها كانت بسبب اتخاذه لقرارات خاطئة نتيجة إرهاقه جراء قلة النوم. بينما كان «جوزيف ستالين» رئيس الاتحاد السوفييتي السابق، يطالب الشعب بأن يحذو حذوه في العمل بكد وقضاء الليل في دفع الأمة السوفييتية إلى الأمام. وبعد وفاته ثبت أنه كان يترك مصباح مكتبه موقداً ليوهم الجميع بأنه يقضي ليله في رعاية مصالح الشعب، بينما كان في الحقيقة يغط في نوم عميق في غرفته بالكرملين. وربما يكون أخطر ما ارتبط بقلة النوم، هو ما أظهرته دراسة كان قد أجراها قبل بضعة أعوام، فريق من العلماء البريطانيين والإيطاليين، وخلصت إلى أن النوم أقل من ست ساعات يومياً، يؤدي إلى الوفاة المبكرة. حيث أكد حينها القائمون على الدراسة، أن الأشخاص الذين ينامون أقل من ست ساعات، كانوا عرضة للوفاة المبكرة بنسبة 12 في المئة، مقارنة بالأشخاص الذين كانوا ينامون ما بين ست وثماني ساعات يومياً. وتوصل العلماء إلى هذه النتيجة، من خلال تحليل مقارن لنتائج 16 دراسة سابقة، شملت أكثر من 1.5 مليون شخص. والغريب أن هذا التحليل توصل أيضاً إلى أن من ينامون أكثر من تسع ساعات في اليوم، يتوفون مبكراً أيضاً، وإنْ كان العلماء قد عزوا هذه النتيجة إلى أن النوم لساعات طويلة، غالبا ما يكون لاعتلال صحي أو مرض، أو نتيجة للاكتئاب، اللذين قد يكونان هما أيضاً سبب الوفاة المبكرة. وبخلاف عدد ساعات النوم، وأهميتها في الصحة والمرض، تتواتر الدراسات الحديثة، مثل الدراسة الكورية سابقة الذكر، أن وقت بداية النوم، ووقت الاستيقاظ، ربما يكون لهما أيضاً دور في الحفاظ على الصحة العامة، وتجنب الإصابة بالأمراض والعلل، وهو ما ربما يكون نتيجة تنظيم عمل الهرمونات داخل الجسم، والمرتبطة بما يعرف بالساعة البيولوجية، والتي تؤثر وتتأثر بالعمليات الحيوية والأيضية.