من السهل أن يعترض البعض على اندلاع آخر للقتال في الشرق الأوسط، باعتبار أن ذلك يؤجج مزيداً من المعارك الضارية في منطقة تشهد اضطرابات مستمرة. ولكن هذه الحرب الجديدة في اليمن، التي تقود خلالها الرياض تحالفاً من عشر دول، خرب ضرورية وبالغة الأهمية، بل ومن الممكن أن تصبح أشد إلحاحاً. ويعتبر قرار السعودية وحلفائها من الدول العربية السنية، القيام بعمل عسكري في اليمن نقطة تحول تاريخية لأسباب كثيرة. أولاً: توصلت السعودية إلى أنه لم يعد يمكن الوثوق بالولايات المتحدة في دعم أمنها. ثانياً، أنها قررت أنه قد آن أوان للحيلولة دون تغول إيران في المنطقة. وأخيراً أن معركةً في اليمن من الممكن أن تؤثر على الجميع. وبمجرد أن بدأت الطائرات السعودية قصف مواقع المتمردين الحوثيين، قفزت أسعار النفط في الأسواق العالمية، وعلى رغم انحسار الارتفاع، إلا أن له دلالاته. وسيعتمد المسار المستقبلي لأسعار النفط على ما ستتمخض عنه المعارك، من بين عوامل أخرى عديدة. ولكن لا شك أيضاً في أن الصراع في اليمن يمكن أن يسبب مزيدًا الاضطرابات الكبيرة في الاقتصاد العالمي. والاقتصاد هو السبب الوحيد في أن ما يحدث في شبه الجزيرة العربية، التي تبعد نحو سبعة آلاف ميل عن الولايات المتحدة، يمكن أن يؤثر بصورة عملية على جميع من هم على سطح الأرض، بما في ذلك شعوب ودول الغرب. وبالطبع، من الخطر المبالغة في تبسيط الأمر باعتباره مواجهة بين السنة والشيعة أو بين العرب والإيرانيين، أو كحرب بالوكالة بين إيران والدول العربية، وفي حين أن الوضع الأساسي في اليمن بالغ التعقيد، إلا أن التدخل العربي والدولي يرجع بدرجة كبيرة إلى الخشية من تصاعد الهيمنة الإيراني. ولكن ما الداعي إلى قلق الدول الأخرى غير الإسلامية؟ اليمن دولة صغيرة، ولكن التحالفات ضخمة، فالدول العربية ليست وحدها في التحالف، ومن الممكن أن تضطلع كل من تركيا وباكستان بدور أشد عمقاً. ومسارات الحروب غير متوقعة، فيمكن أن يتم حسمها بشكل سريع، ومن الممكن أن تطول أو تتسع رقعتها. والهدف المحدد للتحالف هو دفع الميليشيات الحوثية المدعومة إيرانياً خارج السلطة، واستعادة الاستقرار والشرعية بحكم الرئيس عبد ربه منصور هادي. ومن الممكن أن تنتهي المعركة سريعاً، مع هزيمة الحوثيين، وقرار إيران بالانسحاب، بدلاً من مواصلة تسليح المتمردين، الذين ينتمون إلى الشيعة. بيد أنه من المحتمل أيضاً أن تستمر المعركة، ويواصل الحوثيون العناد على موقفهم، بينما تواصل إيران تعزيز وضعهم، بل وربما تتسع رقعة الصراع، ليتحول إلى مواجهة مباشرة بين الدول العربية وإيران. وما يزيد الأوضاع سوءاً أن اليمن معقل لأكثر فروع تنظيم «القاعدة» دموية، ويحاول تنظيم «داعش» أيضاً الحصول على موطئ قدم هناك. ولذا من الممكن أن تتفاقم حدة القتال في اليمن. والفوضى عادة جاذبة للتنظيمات الإرهابية. وبالفعل يعتبر اليمن خط إنتاج للإرهابيين. والمؤامرات التي تحاك هناك في صفوف الجماعات المتطرفة تتردد أصداؤها في أنحاء العالم. وما أنور العولقي عنا ببعيد. فقد كان مواطناً أميركياً ويمنيّاً، واستغل وضعه هناك لإرسال الإرهابيين إلى الغرب. وألهم الرائد الأميركي نضال حسن، الذي قتل أكثر من 12 جندياً أميركياً في قاعدة «فورت هود» عام 2009، وجند انتحاريّاً حاول تفجير رحلة طائرة من أمستردام إلى ديترويت. وعندما ارتكب إرهابيون مذبحة «شارلي إيبدو» في باريس، أعلن تنظيم «القاعدة» في اليمن أنه هو من دبّر تلك العملية. وهكذا تنشر الحالة اليمنية التي تعم فيها الفوضى الدمار حول العالم، وتصدر الإرهابيين، الذين لا يعرفون حدوداً وطنية. وفي حين أن المأساة الأولى يواجهها الشعب اليمني، المحصور في مرمى العنف الحوثي، إلا أن التأثير يمكن أن يمتد في أماكن بعيدة، فمع أول ضربة جوية ارتفعت أسعار النفط. ومن حسن الحظ، أن إنتاج النفط العالمي كان قد زاد قبيل الأزمة، وكانت الأسعار قد تراجعت بسبب زيادة إنتاج النفط الأميركي أكثر من أي وقت مضى، بينما يشهد الاستهلاك الأوروبي والصيني تراجعاً. ويعني ذلك أن الواردات النفطية زادت في ظل انخفاض الطلب، وهو ما أدى إلى هبوط الأسعار. ويتمركز اليمن عند مدخل البحر الأحمر، حيث تمر ناقلات نفطية تحمل أكثر من ثلاثة ملايين برميل يومياً، إضافة إلى عبور رحلات تجارية من آسيا والهند والخليج العربي باتجاه قناة السويس، مروراً إلى البحر المتوسط وأوروبا والأميركتين. فاحتفظوا بالخرائط العالمية بأيديكم، وواصلوا متابعة الأخبار، فكل شيء متصل، من المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني، إلى أسعار الغاز، والنقاط الأمنية في المطارات. وهكذا يعتبر اليمن بالنسبة لنا في الغرب أقرب مما قد يبدو لأول وهلة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»