انقضت قرابة سبعة أشهر بعد نهاية الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وإلى الآن لم تعالج أي من الأسباب الرئيسة التي أفضت إلى اندلاع ذلك الصراع الدامي. وفي هذه الأثناء، يعاني شعب غزة من مستويات غير مسبوقة من الحرمان، وباتت احتمالات تجدد الصراع المسلح واقعية جداً. وقد تم حل الحكومة المدعومة هناك من «حماس»، في يونيو الماضي، وشكلت السلطة الفلسطينية حكومة وحدة بقيادة عباس. وأجمع المجتمع الدولي، وبتأييد ضمني من إسرائيل، على تمكين هذه الحكومة من قيادة إعادة الإعمار في غزة، بالتعاون مع الأمم المتحدة، كي تشرف على تسليم واستخدام مواد البناء، بغية معالجة المخاوف من تحويل الأسمنت والمواد الأخرى إلى بناء الأنفاق التي تصل إلى إسرائيل. وتم تعليق تعهدات بقيمة 5.4 مليار دولار لإعادة الإعمار على فرض السلطة الفلسطينية حكمها وتمكين نفسها في القطاع، بيد أن العلاقة بين «حماس» ومنافسيها السياسيين في «فتح» بقيادة عباس لا تزال مشحونة. وبرهنت السلطة على عدم رغبتها أو عجزها عن حكم غزة. ونتيجة لذلك، لم تقدم أموالا لإعادة الإعمار الموعودة حتى الآن. ونقص الأموال هو أكثر المشكلات الملحة حالياً، لكنه ليس المشكلة الوحيدة، فإسرائيل قيدت الوصول إلى غزة بإغلاق ثلاثة من بين أربعة معابر تجارية. ولا توجد أموال كافية لشراء مواد البناء أو دعم الأسر المحتاجة. وتقدر مؤسسة «شلتر كلاستر» التي تنسق أنشطة بناء المساكن بين الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، أن القطاع يحتاج إلى ما لا يقل عن 16 ألف وحدة جديدة لتحل محل المنازل المدمرة أثناء الحملة العسكرية الإسرائيلية أو تلك التي لم تعد تصلح للسكن. وفي يناير، سُمح بعبور 16 شاحنة محملة بمواد بناء إلى غزة يومياً، بينما المطلوب هو 735 شاحنة يومياً لمدة ثلاث سنوات من أجل بناء المنازل اللازمة. ولا تشمل هذه الأرقام خمسة آلاف منزل إضافية لم تتم إعادة إعمارها حتى الآن بعد حروب سابقة، أو 80 ألف منزل لازمة لاستيعاب النمو السكاني. ويُحسب للمجتمع الدولي، وإدارة أوباما، إقراره بالحاجة إلى توحيد النظام السياسي الفلسطيني من أجل معالجة الأزمة الإنسانية في القطاع، ولإرساء استقرار الوضع الأمني. ورغم ذلك، يجب الآن أن يتم دعم ذلك الإجماع بضغط متواصل من أجل تنفيذ اتفاقات المصالحة بين «فتح» و«حماس»، وإنهاء حصار إسرائيل للقطاع. وعلى العالم أن يشارك على أعلى المستويات مع الفلسطينيين ومصر وإسرائيل من أجل دفع هذه العملية قدماً. وما لم تكتمل المصالحة، لابد أن يكون المجتمع الدولي راغباً في دعم ترتيبات جديدة من أجل إعادة إعمار غزة وإنهاء عزلتها. وسيكون على المانحين التنسيق مع المنظمات غير الحكومية، المحلية والدولية، إضافة إلى سلطات الأمر الواقع التابعة لـ«حماس»، مع حض الحكومة الفلسطينية الحالية على العمل في القطاع. وإلى ذلك، على الحكومات الغربية أن تدفع إسرائيل للتنازل عن إصرارها على تعقب كل كيس أسمنت، لاسيما أن الدلائل تشي بأن ذلك النوع من الرقابة المحكمة يبدو مستحيلاً، بينما يمكن الحيلولة دون بناء الأنفاق من خلال الإشراف على اتفاق سلام. ولابد أن تعلم إسرائيل أنه بإصرارها على مثل هذا النوع من الرقابة، فإنها تغامر بأمنها على المدى القصير، في ضوء حالة البؤس والتذبذب في غزة. وبدلا من ذلك، عليها أن تقبل بدمج نظام الاستيراد والتصدير لغزة مع النظام الخاص بالضفة الغربية، وإعادة فتح المعابر. وعموماً، على إسرائيل أن تدمج اقتصاد غزة مع اقتصاد الضفة للسماح بمزيد من التطور هناك. وأخيراً، لا شيء سوى اتفاق سلام يمنح الحرية لفلسطينيين يحكمون أنفسهم، يمكن أن يجلب الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين. وطالما ظل الفلسطينيون منقسمين، سيكون من الصعب على أي قائد ترويج اتفاق سلام مع إسرائيل. وفي غياب مثل ذلك الاتفاق، يمكن لرفع الحصار ودفع عملية إعادة الإعمار في غزة لعب دور كبير في تفادي الحرب المقبلة. جيمي كارتر الرئيس التاسع والثلاثون للولايات المتحدة الأميركية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»