فاز بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية، التي عقدت في السابع عشر من مارس الجاري، بهامش كبير يمكنه من تشكيل حكومة والبقاء في منصبه كرئيس للوزراء. ولكن ما قاله أثناء الحملة الانتخابية أفضى إلى مزيد من الانقسامات داخل إسرائيل، ومزيد من الانقسامات بين الأميركيين. ولعل الأكثر أهمية تعليقاته التي أدت إلى خلافات داخل إدارة أوباما بشأن سياسات الولايات المتحدة تجاه إسرائيل. والانقسامات داخل إسرائيل كانت واضحة بالفعل قبل الانتخابات، ولكنها تعمقت بشدة، فحزب «العمال» كان ضعيفاً جداً، لكنه تضافر مع حزب آخر وشكل «الاتحاد الصهيوني». وانتقد هذا الاتحاد الذي ينتمي إلى «يسار الوسط» نتنياهو بسبب فشله في التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، وفاز بثاني أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات. ولكنه لم يفز بأكثرية، كما كان متوقعاً، غير أنه سيقود المعارضة في حكومة نتنياهو. وزعيما الاتحاد إسحق هيرتزوج وتسيبي ليفني سيمثلان بديلاً قوياً لرئيس الوزراء وحزب «الليكود»، ويرى المراقبون في إسرائيل أن الدولة أشد انقساماً من ذي قبل. وتضم المعارضة أيضاً ائتلافاً جديداً من الأحزاب العربية. والانقسام الثاني المهم الذي أنتجته تلك الانتخابات حدث بين الأميركيين، لا سيما أن اليهود الأميركيين في الماضي كانوا مختلفين، بين تأييد حزب «الليكود» ومعارضته، وبعد الانتخابات صاروا أشد انقساماً. ولجنة العمل الشعبي الأميركي الإسرائيلي (آيباك)، التي تعتبر أقوى لوبي يهودي، مؤيد بشكل واضح لليكود، وفي الماضي كان يجتذب أصواتًا أخرى. ولكن منذ عام 2008، تأسست منظمة أخرى جديدة باسم «جيه ستريت»، على يد يهود أميركيين معارضين لسياسات حزب الليكود، ويروجون للسلام مع العرب. وقد اجتذبت بشكل متزايد تأييد كثير من اليهود المعترضين على السياسات الإسرائيلية، ومنحتها الانتخابات الأخيرة زخماً. وبصورة عامة، تشير الصحافة الأميركية في الوقت الراهن إلى أن كثيراً من الأميركيين اليهود نفروا من الطريقة التي أدار بها نتنياهو حملته الانتخابية. وصدمهم تصريحه قبيل الاقتراع بأنه حال انتخابه لن يسمح بإقامة دولة عربية في فلسطين. ويعني ذلك أنه استبعد ما يسمى بـ"حل الدولتين" للصراع العربي الإسرائيلي الذي كان يؤيده في الماضي. وأدركوا الآن أن نتنياهو ظهر على حقيقته، وأنه لم يكن يرغب في السلام. وأعرب المنادون بالسلام من «الحاخامات» رجال الدين اليهودي، وغيرهم في أنحاء الولايات المتحدة عن قلقهم من أن هذا التغير في السياسات نحو التعصب، يعني أن إسرائيل ستصبح أشد انعزالاً وستواجه كثيراً من الصعوبات الشديدة على المدى الطويل. وهؤلاء اليهود الذين لم يكونوا يؤيدون نتنياهو يقولون الآن: «أخبرناكم من قبل أنه لم يكن يرغب في السلام مع العرب، والآن كشف عن ذلك بنفسه». ويعبر عن هذه النزعة غير اليهود في الولايات المتحدة، ممن كانوا يتشككون في التأييد الشامل الذي منحته واشنطن لإسرائيل على مر السنين. وهذا الانتقاد لإسرائيل يتزايد الآن. وفي الماضي، كان مصدر كثير من التأييد الأميركي لإسرائيل هو «الجمهوريون»، بينما كان «الديمقراطيون» يميلون إلى انتقاد الحكومة الإسرائيلية. وزاد هذا الانقسام خلال الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعدما أيد «الجمهوريون» نتنياهو صراحة. وأعرب السياسيون «الديمقراطيون» عن انتقادهم له. لذا يتفاقم اختلاف الأميركيين بشأن إسرائيل نتيجة الاستقطاب السياسي في الدولة. والخلاف الثالث الذي انكشف وزاد بسبب الانتخابات الإسرائيلية بين باراك أوباما ونتنياهو. وليس سراً في واشنطن أنه ليس ثمة ود بين كلا الرجلين. ثم ما لبثت التصريحات التي أدلى بها نتنياهو أثناء الحملة الانتخابية أن زادت من غضب أوباما. وانتظر الرئيس الأميركي بضعة أيام قبل أن يتصل بنتياهو لتهنئته، وبدلاً من ذلك جعل المتحدث باسم البيت الأبيض يدلي بتصريحات تبدي غضبه بوضوح. وقال مسؤولون أميركيون «إنهم شعروا بالصدمة وخيبة الأمل من أن نتنياهو رفض حل الدولتين». وأشاروا إلى أن ذلك الحل حظي بتأييد رسمي من واشنطن على مدار عشرين عاماً، وكذلك اعتمدته الحكومة الإسرائيلية حتى الآن. وأوضحوا أن نتنياهو نفسه كان قد أعلن تأييده لحل الدولتين في عام 2009، ولم يكشف عن تحفظات بشأنه منذ ذلك الحين. وعلاوة على ذلك، انزعج الرئيس أوباما من أن نتنياهو بدا يكن وجهة نظر عنصرية تجاه العرب، عندما اشتكى من أنهم كانوا يأتون أفواجاً إلى مراكز الاقتراع. وأكد مسؤولون أميركيون أن هذا النوع من التصريحات الذي ينتهك مبادئ التسامح غير مقبول. وعقب بضعة أيام، اتصل أوباما بنتنياهو لتهنئته بالفوز. واقتنص الفرصة ليعبر عن استيائه الشديد من تغير سياسات نتنياهو بشأن حل الدولتين وتصريحاته العنصرية بشأن العرب. وذكر مسؤولون أن السياسات الأميركية تجاه إسرائيل تخضع لإعادة تقييم. وهو أمر غير معتاد بشكل كبير، في ضوء التأييد القوي طويل الأمد الذي لطالما منحه البيت الأبيض لإسرائيل. والسؤال الذي يسأله الجميع الآن في واشنطن هو: ما الذي سيفعله أوباما ليعرب عن استيائه الشديد تجاه إسرائيل؟ دبلوماسي أميركي سابق متخصص في شؤون الشرق الأوسط