أرى في مختلف الثقافات والأديان اهتماماً بما يسمى «الحياة بعد الموت»، فكل الأديان السماوية تتفق على أن هناك فعلاً حياة بعد الموت، سواء في الجنة للصالحين، أم عذاب السعير لغير الصالحين. لكن لم يأت أحد إلينا بعد الموت ليخبرنا بحقيقة ما يجري في هذه المرحلة. والحقيقة أن الرسالات السماوية تشرح الكثير من الأمور والجزئيات في هذا الموضوع، لكنها تسكت عن جوانب وأمور أخرى، ربما لحكمة لا نعلمها. في طفولتنا كنا نتكلم بعض الأمور حول مرحلة ما بعد الموت، وقد قيل لنا إنه في أحد البلاد الأجنبية، قرروا دفن جهاز تسجيل مع المتوفى -وذلك قبل اختراع الفيديو- لمحاولة اكتشاف ما يحدث في الحياة بعد الموت، لكن عندما فتحوا القبر بعد فتر بغية التعرف إلى نتيجة التجربة، وجدوا جهاز التسجيل محطماً بالكامل. وبالطبع لا أعرف ما إذا كان مثل هذا الأمر قد حدث فعلاً أم أنها مجرد حكايات أطفال. والحقيقة أن معظمنا يؤمن «بالحياة بعد الموت» دون إثبات أو برهان، وهذا هو في الواقع الفرق بين الإيمان والعلم. العلم لا يتقدم إلا بالإثبات والبرهان ثم المناقشة المنهجية، بينما الإيمان يعتمد على الاعتقاد الراسخ دون الحاجة لأي من آليات المنهج التجريبي. لكن يبدو أن هذا الآن في طريق للتغير، فبعد الوصول إلى القمر وظهور أبحاث حول نوعية الفضاء الخارجي، وما يوحد به من كائنات حية أو مصادر مياه.. فقد اتجاه العلم الآن إلى محاولة استكشاف ما يسمى «على شفا الموت»، أو بالإنجليزية NDE، وهو اختصار لاسم هذا العلم الجديد، مثل الذي مر به الإنسان في حادث سيارة خطيرة، أو على وشك الغرق في المحيط أو البحر كما يحدث لكثيرين أثناء الهجرة غير الشرعية، أو حتى السكتة القلبية. وهذا العلم يحاول أن يؤسس أصوله وقواعد منهجه، وأهمها أن الإنسان يموت إكلينيكياً حين تتوقف نبضات القلب لديه، طبقاً للمعايير الطبية، ويظهر ذلك على الآلات اللازمة التي تسجل هذا التوقف. وطبقاً للمنهج العلمي التجريبي، فقد تم إحصاء 2000 حالة توقف قلب (أي الموت الإكلينيكي)، عاد للحياة منها 151 (أو حوالي 16% منها)، وتم إجراء مقابلات مكثفة مع هؤلاء العائدين من الموت، بغية التعرف إلى حالة الإنسان وشعوره وهو يفارق الحياة. وبالطبع فقد تفاوتت الإجابات، وفقاً للأشخاص وسياق الحادث الذي يؤدي إلى الموت وتوقف القلب، أو حتى إلى السكتة القلبية. البعض اعترف بأنه شعر بالرعب، والبعض الآخر -خاصة من له أطفال- شعر بالحزن على فراق ذريته. والشعور الأعم كان هو كأن الروح تنتقل إلى أعلى وتنفصل عن الجسم، ثم يحدث نوع من التحرر من متاعب الحياة اليومية، بل والانشغال ببقاء الجسد نفسه، لذلك يتحدث البعض أحياناً عن وجود علاقة بين صفاء سريرة المتوفى وتورد بشرته. ويبقى السؤال هو: أين سيتوقف العلم وأبحاثه واكتشافاته؟!