من الموضوعات الأثيرة لدى آلة الدعاية الإسرائيلية، التي ركزت عليها حكومة نتنياهو على نحو خاص، إرجاع كل انتقاد، أو امتعاض أوروبي، أو أميركي، تواجَه به إسرائيل وسياساتها إلى معاداة السامية! إذ يبدو أن نتنياهو يعزف على هذا الوتر لأغراض انتخابية، خدمة لأجندة حزبه «الليكود» وذلك قبيل الاستحقاق التشريعي المقرر عقده أواسط شهر مارس المقبل. والحال أن مقولة معاداة السامية تنطوي على مغالطة كبيرة، فجزء كبير مما يعتبره نتنياهو كراهية لليهود ليس في الحقيقة سوى غضب مشروع ومبرر ضد إسرائيل وممارساتها، وهو لا يقتصر على المسلمين، فإسرائيل تقمع الفلسطينيين وتستمر في احتلالها لأراضيهم، وتعاقب العائلات والمدنيين، كما تظهر عدم رغبة في اجتراح حل سياسي ينهي حالة الجمود الذي تتسبب فيه سياساتها في المنطقة، ما يساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي. وكل ذلك يؤدي طبعاً إلى تزايد أعدائها في كل أنحاء العالم. بل إن نتنياهو أضاف إلى مقولة معاداة السامية المخاوف التي بات يحذر منها اليهود في أوروبا، ولاسيما في فرنسا وبلجيكا، وأخيراً الدنمارك، بسبب الاعتداءات الأخيرة، زاعماً أنهم يواجهون خطراً داهماً يستدعي رحيلهم إلى إسرائيل التي يراها هو موطن اليهود وملاذهم! ولتبرير دعوته تلك يسوق رئيس الوزراء الإسرائيلي الأحداث الأخيرة في فرنسا مثل الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو»، وما أعقبه من اعتداء على متجر يهودي. وأخيراً الحوادث التي شهدتها العاصمة الدنماركية، كوبنهاجن، ثم استهداف كنيس يهودي في المدينة نفسها، وقبل ذلك وتحديداً في السنة الماضية هجوم بروكسل على متحف يهودي، فيما شهدت السنة التي قبلها إطلاق رصاص على يهود في مدينة تولوز الفرنسية انتهى بقتل حاخام وثلاثة أطفال. ولكن هذه الحوادث، ومع أنها كانت من صنيع شباب مسلم تطرف وتبنى أيديولوجية دينية متشددة، إلا أن هدفهم الأساسي لم يكن اليهود، بل كانت أوروبا بصفة عامة. كما أن منفذي تلك العمليات كانوا أشخاصاً اعتنقوا الفكر «الجهادي» على يد متطرفين التقوا بهم إما في أحيائهم المهمشة، أو في السجون لارتكابهم جرائم واهية، أو أنهم وقعوا فريسة الاستقطاب عبر الإنترنت. وعلى رغم ما يمثله هؤلاء من خطر فعلي على اليهود في أوروبا، إلا أن الفكر المتطرف والعمل «الجهادي» له أكثر من هدف أوروبي بمن فيهم الشرطة، والقوات المسلحة، والصحافة، والرأي العام، بل إن تلك العمليات أزهقت أرواح المسلمين أنفسهم. ولكن في ظل هذه المخاطر إلى أين يتجه اليهود؟ يمكن لليهود الفرانكفونيين الذهاب إلى كيبيك في كندا، غير أن كندا الناطقة بالإنجليزية والولايات المتحدة ليستا بنفس القدر من الأمان، فبسهولة يمكن للمرء أن يفقد حياته في عملية إرهابية بأميركا، أو حتى بإطلاق رصاص من معتوه في أحد الشوارع الأميركية كما يحدث في الكثير من الأحيان! وإذا ما قرر اليهود الاستقرار في إسرائيل باعتبارها المكان الأكثر أمناً بالنسبة لهم، فعليهم أولًا التفكير في تحذيرات نتنياهو بأن إسرائيل تعيش وسط منطقة مضطربة وخطرة، فكيف يستقرون في منطقة بكل هذه الخطورة؟ والحاصل أن نتنياهو مراوغ جيد يتلاعب بمخاوف اليهود لتحقيق أهداف سياسية، وهو في ذلك يعتمد على أصحاب المال ومجموعات الضغط السياسي في واشنطن للترويج لأفكاره في الكونجرس خلال خطابه المرتقب إلى درجة أن بعض أعضاء الكونجرس تلقوا تحذيرات فعلية من أن أي تغيب عن جلسة إلقاء نتنياهو للخطاب قد تقضي على مستقبلهم السياسي. ومن المتوقع أن يعيد رئيس الوزراء الإسرائيلي خطابه المعهود حول إيران وبرنامجها النووي، على رغم ما ينطوي عليه من مبالغة وتهويل، فقد كشف تقرير صادر عن وكالة الأمن القومي الأميركية سرب إلى صحيفة «الغارديان» البريطانية أن «الموساد» حذر نتنياهو في 2012 من أنه لا إمكانية لأن تمثل إيران تهديداً نووياً في غضون سنة كما كان يروج لذلك نتنياهو أمام العالم، وهو نفس التقييم الذي تكرره وكالات الاستخبارات الغربية اليوم. ولكن بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي ليس الكونجرس الأميركي سوى مجموعة من السذج والحمقى، وقد تأكد له ذلك في السابق، فلم يتغير الأمر الآن؟ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»