لقد قمت بزيارتي الرسمية الأولى كوزير خارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة إلى أستراليا قبل خمس سنوات.. ولقد شاهدت حينها مجتمعاً ملهماً يحتضن مزيجاً من التنوع والتعددية يعد مصدر فخر وقوة.. ولقد وقفت معجباً بالتزام الدولة الأسترالية بمبادئ السلام وقيم العدل واحترام الآخر وهو ما يعتبر بحق نموذجاً يحتذى به. وقد رأى العالم أجمع قوة الشعب الأسترالي في ديسمبر الماضي، حين استهدف الهجوم الإرهابي ضد مقهى «ليندت كافيه» القيم الأسترالية، مثلما استهدف الضحايا الأبرياء. لكن الشعب الأسترالي أحبط هذا المخطط الشرير، وأثبت وحدته في مواجهة الجريمة، فأثار إعجابنا وقد شاركناه حزنه وغضبه. واليوم تواصل أستراليا معركتها ضد الإرهابيين الذين يشكلون تهديداً للعالم أجمع، وإننا نثمن مشاركتها في التحالف الدولي ضد «داعش»، حيث يعد ذلك رسالة قوية للعالم حتى يقف صفاً واحداً للدفاع عن شعوبنا ومبادئنا. إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة نؤكد التزامنا الراسخ بخوض هذه المعركة. فعلى الجبهة العسكرية يقوم طيارونا بمهاجمة مواقع «داعش» في سوريا. وقد كثفنا في الآونة الأخيرة جهودنا العسكرية عن طريق نشر سرب من طائرات «إف 16» قريباً من أرض المعركة في الأردن. وجنباً إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا، فإننا لن نتوقف حتى نقضي على قدرة الإرهابيين على نشر الموت والدمار. كما نؤكد قوة عزمنا على هزيمة الأيديولوجيات المتطرفة، وفي الوقت نفسه لن نسمح لهؤلاء الإرهابيين أن يصبحوا واجهة لديننا الإسلامي الحنيف وتشويه قيمه التي ترسي مبادئ السلام واحترام قدسية الحياة والكرامة الإنسانية. لن ونسمح لهم أيضاً بكتابة تاريخ المنطقة، حيث تسطر دولة الإمارات العربية المتحدة قصة مختلفة تعكس الروح الجامعة والسلمية لديننا الحنيف، إذ ندرك تماماً إمكانات شعبنا، كما نقوم ببناء المدارس والمستشفيات والمتاحف، ونقيم جسور التعاون مع الدول القريبة والبعيدة، ونسير على طريق التقدم الذي هو حق أصيل لكل إنسان. وهنا نوضح أن الآلاف من الأستراليين، من بين 200 جنسية أخرى، يشاركوننا ويسيرون معنا في الاتجاه نفسه. ونحن بذلك نهزم الرسالة الإرهابية من خلال تقديم نموذج قابل للحياة، نموذج لمجتمع سلمي وتعددي وناجح يقدم الأمل والفرص لجميع الذين يسعون إليها. يقوم الإرهابيون باصطياد العقول الشابة التي استحوذ عليها اليأس والظلم والمهانة. ومن هنا يأتي تصميمنا على العمل مع حلفائنا الإقليميين والدوليين على معالجة الصراعات التي تدفع الناس إلى هاوية اليأس. وقد أتاحت الأزمة المأساوية في سوريا لـ «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى ظروف الفوضى التي تغذي نمو هذه الجماعات وتساعدها على التمدد والتوغل. إن إيجاد حل سياسي يلبي الحقوق المشروعة للشعب السوري في العيش، متحرراً من الخوف والتشريد والاضطهاد، هو أمر ضروري لتحقيق الانتصار اللازم ضد «داعش». لذا يتعين على المجتمع الدولي دعم الحملة العسكرية ضد «داعش» في العراق، مع الجهود التي تضمن عملية سياسية شاملة تضمن المساواة لجميع العراقيين. ومن الضروري أن نتعاون مع القوى السياسية المعتدلة في اليمن وليبيا، لإيجاد الحلول التي تتوافق مع تطلعات شعوبها. وذلك لا يقل أهمية عن دعم انتعاش الاقتصاد المصري. إن استقرار مصر هو حجر الزاوية للسلام والأمن الإقليميين. وبما أننا نقوم بمعالجة هذه الأزمات الإقليمية الجديدة، يجب أن لا نغفل عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي تسبب بمزيد من المعاناة والحروب في المنطقة، على قاعدة قرار حل الدولتين الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية وتحقيق الأمن والقبول لإسرائيل، كما ينهي الظلم الذي استغله المتطرفون على مدى عقود. وفي خضم كل هذه المساعي الصعبة، ولكن الضرورية أيضاً، كانت أستراليا شريكاً قادراً وملتزماً.. لذا فإننا نثمن دورها في الجهود الرامية إلى إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، بجانب دورها في هزيمة قوى الشر التي باتت تهديداتها الوحشية لا توقفها الحدود ولا تنتمي إلى أي دين أو حضارة. ونحن فخورون بالشراكة التي أقمناها مع استراليا في المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية. فدولة الإمارات العربية المتحدة هي الشريك التجاري الأكبر لأستراليا في الشرق الأوسط. كما يلتحق ما يقرب من ألف طالب إماراتي في الجامعات الأسترالية في حين أن أكثر من 360 شركة أسترالية تعمل في دولة الإمارات. وتتطور هذه الشراكة لأبعد من ذلك، حيث إنها تستمد قوتها من المصالح المشتركة التي تحققها.. كما أنها ستظل تنمو لأنها متجذرة في التزامنا المشترك بعالم مستقر ومزدهر وسلمي يحترم حقوق الجميع. * وزير الخارجية نقلا عن صحيفة «ذا استراليان» الأسترالية