تبدو التوجهات الاقتصادية قصيرة المدى في الولايات المتحدة مشجّعة. فقد انخفضت مؤشرات البطالة، وارتفع معدل النمو، وتقلص العجز في الميزانية إلى أقل من نصف ما كان عليه في فترة «الركود العظيم» لعام 2008، وانخفض أيضاً سعر البنزين بشكل كبير، وتمكن الكثير من المواطنين الأميركيين من تسوية مشاكل قروضهم المتعثرة، وأصبحت معدلات الاستهلاك إيجابية. ويعتقد بعض الخبراء أن هذه الحقائق القائمة على الأرض بالفعل، لا تشكل في مجموعها أكثر من واجهة مضيئة لخلفية قاتمة. وفي وسع هؤلاء أن يتبيّنوا الآن تراجع النمو، والمصير المجهول للطبقة الوسطى، وحدّة الانقسامات السياسية التي بلغت مرحلة لا يمكن تخيلها من التطرف والاستقطاب في تاريخ السياسة الأميركية والتي تتعلق بقضايا مختلفة تتنوع بين الموقف من إيران وكوبا والضرائب والرعاية الصحية. وهذه النظرة العامرة بالتشاؤم لا تتعلق فقط بالقضايا الوطنية، بل بحالة حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا الذين يعانون من ضائقات اقتصادية تغلب عليها صفة الاستدامة. وكل هذا يبرر الاعتقاد السائد لدى البعض بأن الغرب بأجمعه يعيش الآن مرحلة التراجع والانحسار. وبالمقارنة مع بقية الدول الحليفة، ستتمتع الولايات المتحدة بوضعية أفضل خلال السنوات العشرين أو الثلاثين المقبلة وربما خلال زمن أبعد من هذا. وجنباً إلى جنب مع كندا والمكسيك، تنعم الولايات المتحدة أيضاً بمصادر مشتركة تتميز بالاستدامة والصمود في المجالات الجيوسياسية والسكانية والطاقة والمصادر الطبيعية الأخرى فضلاً عن التصنيع والقدرة على المنافسة الصناعية، وتتميز بقدرة تنافسية لا تُضاهى في مجال الاختراع والابتكار والتكنولوجيا. وإذا كان القرن العشرون هو «القرن الأميركي»، فإن القرن الحادي والعشرين سيكون «قرن أميركا الشمالية». والولايات المتحدة هي الآن المنتج الأول للنفط والغاز الطبيعي فيما تلعب جارتاها المكسيك وكندا دوراً مهماً في مجال الطاقة. وعلى رغم أن قطاع التصنيع فيها لا يزال بعيداً عن مستوياته السابقة، إلا أنه تمكن من استيعاب مئات الآلاف من الوظائف الجديدة خلال السنتين الأخيرتين. وأصبحت المكسيك منافساً حقيقياً للصين وبقية الدول الآسيوية الصناعية الشهيرة في العديد من المجالات الصناعية. والآن، تقود الولايات المتحدة العالم في مجال التكنولوجيات المتقدمة، مثل الصناعات الفضائية والصيدلانية. ولئن كان العجز في الميزانية الفيدرالية للولايات المتحدة لا يزال مرتفعاً، إلا أنه أقل من 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد انخفضت قروض المساكن المتعثرة بشكل كبير عما كانت عليه قبيل أزمة «الركود العظيم». وسجلت الولايات المتحدة أعلى ارتفاع منذ 9 سنوات في مؤشر الثقة بإنشاء الشركات الصغيرة، وارتفعت ثقة المستهلكين إلى أعلى مستوياتها منذ 11 سنة. وانخفض معدل الجرائم إلى أدنى مستوياته خلال جيل كامل. ويعد الواقع الديموغرافي في أميركا أفضل مما هو في الدول المتقدمة كلها، بما في ذلك روسيا والصين والهند، ويتميز بمستواه المناسب وثبات معدل تزايد السكان عند 1 في المئة. ويتجاوز الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة 3 في المئة. وعلى رغم هذا فإن من الضروري أن ينمو الاقتصاد الأميركي بمعدل أعلى من الصين. وبالطبع، هناك الكثير مما يجب أن تفعله الولايات المتحدة. فنحن نحتاج إلى إصلاحات أساسية وعميقة في قانون الهجرة. وأصبح نظامنا التعليمي بالياً بشكل كبير ويحتاج إلى مجهود كبير لإعادة صياغته حتى يتمكن من إعداد التلاميذ لاقتصاد المستقبل. ولم تشهد الشرائح المجتمعية الأميركية ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة إلا القليل من تحسّن الأجور منذ «الركود العظيم». ولا يزال معدل الجريمة مرتفعاً بالمقارنة مع معدلاته في دول الغرب. ومرة أخرى، من المنتظر أن تزداد مشكلة عجز الميزانية سوءاً خلال السنوات الخمس المقبلة إذا لم يتم ترشيد الإنفاق الحكومي وإصلاح القانون الضريبي. ويقتضي الأمر أيضاً تطوير البنى التحتية التي تعدّ حجر الأساس في زيادة الإنتاجية. ولاشك أن التغير المناخي يمثل خطراً كبيراً لا يقل عن خطر الجماعات الأصولية وإيران وروسيا. ـ ـ ـ ــ ـ ـ ــ ــ ـ ــ ـ ـ ديفيد بترايوس ومايكل أوهانلون ---------- * الأول ضابط رفيع ومدير سابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، والثاني أستاذ محاضر ومدير قسم السياسة الخارجية في معهد بروكلن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»