خلال عطلة نهاية الأسبوع، عندما اعتمدت الولايات المتحدة برنامج المساعدة المالية لأوكرانيا المحاصرة، اعترف أوباما نفسه من خلال حديث تلفزيوني بأن الرواية الرسمية للولايات المتحدة حول أسباب اندلاع الحرب في أوكرانيا لم تكن واقعية. ومنذ وصل وزير الخارجية جون كيري إلى كييف وهو يحمل معه موافقة رئاسية بمنح أوكرانيا مساعدة جديدة بقيمة مليار دولار على شكل ضمانة بنكية أميركية ونقل إلى المسؤولين الأوكرانيين أن هذه المساعدة تعكس رغبة الكونجرس في دعمهم. وكان الكثيرون من أعضاء الكونجرس يفضلون أن يكون المبلغ أكثر من هذا بعد أن أقرّت الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي قبل وقت طويل مبلغ 27 مليار دولار كمساعدة لأوكرانيا، حتى تتمكن من إجراء انتخاباتها الرئاسية «الطارئة» في شهر مايو الماضي. ويرغب حلف «الناتو» في زيادة المساعدة لدعم فصائل من الجيش الأوكراني يبلغ تعدادها ستة آلاف جندي يعملون في الشرق، والذين أثبتوا أنهم لا يشكلون خصماً فعالاً للثوار الانفصاليين الموالين لروسيا. ومنذ اندلاع الصراع هناك قبل عام، كانت الرواية الصادرة عن المسؤولين الأميركيين تفيد بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحرص على منع أوكرانيا من تشكيل حكومة ديمقراطية لأن وجودها سيشكل سابقة خطيرة على حدود روسيا قد تغري الشعب الروسي ذاته برفض الممارسات الديكتاتورية لحكومته والعمل على الإطاحة بفلاديمير بوتين. ولقد سبق للمحلل السياسي توماس فريدمان أن وصف بوتين على صفحات «نيويورك تايمز» بأنه «السفّاح». وقالت هيلاري كلينتون قبل عام إن روسيا بمحاصرتها لأرض مجاورة حتى يسكنها الروس، يحاكي ما فعله أدولف هتلر الذي طرح فكرة «المجال الحيوي» للعرق الألماني وما نتج عن تنفيذها من غزو للبلاد الأوروبية المجاورة لألمانيا. وقال أوباما إن موسكو اتخذت قرارها باحتلال شبه جزيرة القرم والاحتجاج على ما حدث في الميدان الرئيسي بمدينة كييف ليس بناء على استراتيجية واسعة النطاق، بل لأنها فقدت توازنها السياسي بسبب مظاهرات الميدان في شهر فبراير 2014 عندما اضطر الرئيس الأوكراني المؤيد لروسيا فكتور يانوكوفيتش للفرار إلى موسكو، لاستكمال صفقة مواجهة الحكومة الجديدة في أوكرانيا. ويتذكر أولئك الذين تابعوا هذه الأحداث عن قرب أن الرئيس المخلوع «يانوكوفيتش» تعرض لضغط من روسيا للاشتراك في «منظمة التجارة لدول آسيا الوسطى»، والكتلة السياسية التي تقع تحت السيطرة المباشرة لبوتين، فيما كان الهدف الذي يسعى إليه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتركز على ضم أوكرانيا للاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو». وإذا سلمنا جدلاً بأن مظاهرات «الميدان» في شهر فبراير الماضي كانت من ترتيب الغرب، وهو افتراض كان من السهل على روسيا إثباته بسبب وجود ممثلين عن الاتحاد الأوروبي إلى جانب مساعد وزير الخارجية الأميركي ومدير وكالة المخابرات المركزية في كييف في ذلك الوقت، إلا أن موسكو وضعت نفسها في مأزق عندما عمدت إلى احتلال شبه جزيرة القرم على الرغم من أنها كانت أرضاً روسية لفترة طويلة من الزمن، ولم تنضم إلى أوكرانيا إلا عام 1954. وشاركت قوات خاصة في مواجهة الانتفاضة لاحتلال المنطقة الشرقية الناطقة باللغة الروسية، والتي تضم 20 بالمئة من سكان أوكرانيا، والتي كانت تعاني من الاضطرابات تحت حكم الأغلبية الناطقة باللغة الأوكرانية، وهي التي كانت ترفع راية الاستقلال والانفصال عن أوكرانيا. وهذا ما فجّر الصراع وأدى إلى اندلاع الحرب. وراح كل طرف يحاور الآخر بقذائف المدفعية الثقيلة وبتدمير منشآته العسكرية ومناطقه السكنية. وتم الاتفاق عدة مرات على وقف لإطلاق النار، إلا أنه سرعان ما كان ينهار لأسباب واهية وغير مفهومة. وأعلنت الحكومة الأوكرانية أنها عازمة عزماً أكيداً على استعادة المناطق التي استولى عليها الانفصاليون. ويبدو أوباما شديد الحرص على عدم تزويد الأوكرانيين بالأسلحة الهجومية الفتاكة على الرغم من إصرار قادة الجناح اليميني في الكونجرس على المطالبة بتقديمها إليهم. ويشعر الروس أنهم يتعرضون لهجوم ظالم لا مبرر له من الغرب. وبسبب هذا الخلاف المستعصي أصبحت الحرب النووية احتمالاً وارداً من قبل الطرفين معاً وذلك للمرة الأولى منذ ما بعد نهاية الحرب الباردة عام 1990. ويليام فاف ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبون نيوز سيرفس»