ودّعت المملكة العربية السعودية ومعها العالمان العربي والإسلامي قائداً استثنائياً، وملكاً شجاعاً، استطاع بحكمته أن يعبر ببلاده إلى بر الأمان برغم كل الأنواء والعواصف المحيطة بها، وأسهم بمواقفه الحاسمة في الحفاظ على أمن منطقة الخليج العربي واستقرارها ووحدة دولها وشعوبها، ووقف بقوة ضد كل مخططات نشر الفوضى غير الخلاقة في المنطقة العربية، وكانت له بصماته الإنسانية التي غطت بقاعاً مختلفة من العالم، وجعلت منه ملكاً محبوباً ليس من السعوديين فحسب، بل من كل الشعوب العربية والإسلامية والعالم الأوسع نطاقاً.. إنه خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، الذي ترجل عن صهوة جواده بعد مسيرة حافلة في العطاء والإنجاز وخدمة قضايا أمته العربية والإسلامية. إنجازات الملك الراحل، رحمه الله، واضحة للعيان ويصعب حصرها، وهي تمثل عناوين رئيسية للإصلاح والتنمية والاستقرار على المستويين الداخلي والخارجي. فداخلياً دشن الملك الراحل مشروعات تنموية عملاقة، وضعت المملكة في عهده ضمن مجموعة الدول الـ20 الأقوى اقتصادياً على مستوى العالم، وأطلق مبادرات رائدة في مجال إصلاح التعليم، باعتباره الأساس لنهضة الأمم وتقدمها، سواء من خلال التوسع في برنامج الابتعاث الذي يدرس ضمنه نحو 150 ألف طالب وطالبة في جامعات الدول المتقدمة، أو من خلال التوسع في إنشاء الجامعات المحلية، التي تضاعف عددها في عهده أربع مرات، فضلاً عن دوره الرائد في تمكين المرأة السعودية، التي شهد دورها تطورات غير مسبوقة وصلت ذروتها بتعيين 30 امرأة في مجلس الشورى السعودي، وتعيين امرأة بمنصب نائب للوزير. لكن أكثر مواقف الملك الراحل جرأة وحسماً كانت تصديه للفكر المتطرف وممارسات جماعات الإسلام السياسي الأصولي، وتأكيده المستمر براءة الإسلام من أعمال وأفعال تلك الجماعات التي تشوه الدين الحنيف، ودعواته لنبذ العنف والإرهاب، وحرصه على نشر ثقافة الحوار والتسامح كبديل لدعاوى التعصب والتطرف وصراع الحضارات، والذي توج بتأسيس مركزين مهمين شكلا منارتين لنشر ثقافة الحوار والتعايش، هما: مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ومركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات. وقد كان لمواقفه الحاسمة هذه دورها الفاعل في نجاح المملكة في الحد من خطر الجماعات المتطرفة ومواجهة الفكر الضال ودعوات الانغلاق والعنف. ولم يقتصر هذا الدور في مواجهة التطرف والإرهاب على الداخل السعودي، وإنما امتد إلى الخارج، استناداً إلى قناعة بأن الفكر المتطرف كله سواء، وأن خطره لن يقتصر على دولة دون الأخرى، لذا لم يتردد الملك الراحل، رحمه الله، في مشاركة بلاده في الحملة على تنظيم «داعش»، وتقديم الدعم للدول العربية الشقيقة في تصديها لفكر هذه الجماعات المنحرف. شكل الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، عنصراً مهماً في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، فقد أطلق في عام 2002 مبادرته الجريئة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، والتي أصبحت تمثل أحد الأسس التي تقوم عليها عملية السلام في المنطقة، وعمل باستمرار على تحقيق المصالحة العربية باعتبارها الأساس للخروج من حالة الضعف والتشرذم الراهنة، وحافظ على وحدة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال التصدي بحزم لبعض السياسيات التي كادت تعرض هذه الوحدة للخطر، فضلاً عن موقفه الحاسم بالتدخل العسكري لحماية أمن واستقرار مملكة البحرين عندما رأى أن الخطر يهددها، ودعمه القوي لجمهورية مصر العربية لمساعدتها على الخروج من أزمتها الراهنة، وجهوده لإحلال الاستقرار في اليمن، وتصديه لخطر التمدد الإيراني، وغيرها الكثير والكثير من المواقف التي توضح أن المملكة العربية السعودية كانت في عهد الملك الراحل تمثل قوة أمن واستقرار رئيسة في المنطقة العربية. شعور الخسارة بفقدان الملك الراحل بالفعل كبير وعظيم، لكن ثقتنا في حكمة وقدرة القيادة السعودية الجديدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يعوض هذا الشعور، فهذه القيادة تملك الخبرة نفسها، وتسير على النهج القويم ذاته، ولديها القدرة على مواجهة كل التحديات والصعوبات التي لازالت تهدد أمن المملكة والمنطقة. وتعزز القرارات الحاسمة التي أخذها الملك الجديد لترتيب بيت الحكم السعودي هذه الثقة، فهذه القرارات وضعت الأرضية الصلبة لعملية انتقال الحكم من الجيل الحالي إلى الجيل الثاني من الأسرة الحاكمة بتعيين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، ولياً لولي العهد، الأمر الذي أظهر متانة واستقرار بيت الحكم السعودي، على غير ما كان يتمناه كثير من المتربصين بأمن المملكة واستقرارها. إن إنجازات الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز ستظل باقية تخلد ذكراه في سجل العظماء الذين أسهموا في رفعة أوطانهم وأمتهم، ونحن على ثقة كاملة بأن القيادة الجديدة ستواصل مسيرة التنمية والاستقرار بالهمة والروح الإصلاحية الجريئة نفسها.