تمثل زيارة الرئيس المصري لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومشاركته في افتتاح «القمة العالمية لطاقة المستقبل 2015»، تتويجاً لجهود مشتركة إماراتية- مصرية، سيسجل التاريخ أنها أنقذت العالم العربي من خيارات مظلمة كان يمكن أن تكلف شعوبه وبلدانه ثمناً فادحاً. أدى عبدالفتاح السيسي دوراً تاريخياً في تخليص مصر من حكم جماعة «الإخوان المسلمين» التي وصلت بالبلد العربي الأكبر والأهم إلى مأزق سياسي واقتصادي واجتماعي غير مسبوق في تاريخه الحديث، ووضعته على حافة مواجهة محتملة بعد أن مضت الجماعة في تنفيذ خططها ورؤاها غير مكترثة لما تتسبب فيه من تدمير. كانت مصر بأسرها تتحرك غاضبة ضد ما يقترفه «الإخوان» من أخطاء وخطايا، لكن هذا التحرك كان بحاجة إلى شخصية تتوافر لها الشجاعة والمصداقية والقبول والقدرة على اتخاذ القرار المناسب الذي يجنب أرض الكنانة مواجهة دموية في ظل عناد «الإخوان» واستعدادهم لاستخدام أقصى درجات البطش والقوة، وإصرار عشرات الملايين من المصريين على إزاحتهم مهما كان الثمن. في اللحظة الملائمة ظهر عبدالفتاح السيسي، الذي تربى في القوات المسلحة، مدرسة الوطنية المصرية الكبرى والمؤسسة التي حافظت على تماسكها وانضباطها وقوتها في ظل الاضطراب الذي أصاب معظم المؤسسات المصرية بسبب حكم «الإخوان»، ليتحمل الرجل وحده مسؤولية نزع فتيل الأزمة، ولينهيها لصالح مصر الكبيرة التي لا تقبل الانقياد لطغمة حكمتها بمزيج من الانتهازية والتآمر والتجارة بالدين، وأثبتت فشلاً ذريعاً وعجزاً مخزياً عن الاضطلاع بإدارة شؤون مصر، وهو ما كانت تأثيراته ستمتد بالضرورة إلى مجموع الجسم العربي الذي سيعاني اختلالات ومشكلات تعود إلى طبيعة موقع مصر في النظام العربي ودورها المؤثر فيه. لم تكن المهمة سهلة، فقد واجه عبدالفتاح السيسي مجموعة هائلة من التحديات والمشكلات. فقد أعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» حرباً إرهابية مفتوحة على مصر، تضمنت أشكالاً مختلفة من قتل المواطنين وزرع المتفجرات والعبوات الناسفة في طرق الآمنين ومدارسهم وجامعاتهم، ونشطت عناصر الإرهاب والخلايا المتحفزة في سيناء في استهداف مجندي الجيش وضباطه مستغلة الطبيعة الوعرة لشبه الجزيرة، وخرجت فلول الجماعة في محافظات مصر ومدنها تحرق وتدمر وتفتعل المواجهات لتوحي بأجواء الاضطراب وعدم الاستقرار. وفي الخارج كانت الدول الكبرى تمارس لعبة غير شريفة تحاول فيها ابتزاز مصر، وتغازل جماعات الإرهاب وتتيح لها حرية الحركة سياسياً ودبلوماسياً، كما كان محور شر إقليمي له حساباته للهيمنة والسيطرة يعمل جاهداً على حصار السلطة الناشئة في مصر، ويمد تنظيم «الإخوان المسلمين» بالدعم الاقتصادي والعسكري، ويوفر ملاذاً لاجتماعات التآمر والتخطيط لتخريب مصر. وكانت الأسلحة تتدفق من الحدود الغربية المنفلتة، وتصل إلى أيدي الإرهابيين والقتلة، في محاولة لاستنزاف مصر ودفعها إلى الانهيار، في ظل صعوبات اقتصادية تسبب فيها الحكم الفاشل لـ«الإخوان المسلمين». واجه عبدالفتاح السيسي بشجاعة هذه الصعوبات في الداخل والخارج، محوطاً بتأييد غير مسبوق من المصريين الذين وجدوا فيه الوطنية والإخلاص والكفاءة التي تحتاج إليها بلدهم، وجعلوه رمزاً لتحررهم من ربقة الجماعة الإرهابية. وكانت القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، بما تحمله من تقدير لدور مصر ومعرفة بأهميته، تدرك خطورة هذه المرحلة، وما يُحاك من مؤامرات تستهدف إرادة الشعب المصري والقائد الذي يعبر عنه، فكرست جهودها لدعم مصر في مواجهة هذه المؤامرات، وقادت التحرك العربي من أجل دحرها والقضاء عليها. تحركت الدبلوماسية الإماراتية بكل قوتها في لحظات شديدة الحساسية والدقة لتمنع المتآمرين على المستوى الدولي من تحقيق أغراضهم، وتدفقت أشكال الدعم السياسي والاقتصادي على مصر من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن دول عربية تدرك مسؤولياتها ودورها في إرساء الاستقرار والأمن في المنطقة، وحيوية الدور المصري وأهميته، وضرورة وجود قيادة تمتلك الرؤية والمسؤولية والقدرة على قيادة بلد بحجم مصر وثقلها السياسي والاقتصادي والتاريخي والحضاري. إن مواقف دولة الإمارات خلال هذه المرحلة الدقيقة تجاه شقيقتها مصر كانت استمراراً لعلاقات أخوية راسخة بين البلدين، على المستويين الرسمي والشعبي، تبدو بعض مظاهرها فيما يكنه الشعب المصري من تقدير وحب للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يعبر عنه بمختلف الوسائل والسبل، وما يحظى به صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، من مكانة في قلوب المصريين. ومن جهتهم، فإن مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، يعربون دائماً عن تقدير وحب لمصر، شعباً وتاريخاً وحضارة، بمختلف مظاهره وأشكاله، ومن يرصد ردود فعل الإماراتيين على زيارة الرئيس السيسي لبلادهم سوف يدرك جزءاً من هذه المشاعر الأخوية التي لم تنقطع على الإطلاق، ولم يعكرها حتى وجود "الإخوان المسلمين" في السلطة، إذ حرص الإماراتيون خلال هذه الفترة على التأكيد على أن موقفهم من الشعب المصري لا يتغير، وأن مشاعر الأخوة لم تتأثر بسعي جماعة "الإخوان المسلمين" إلى زرع الشقاق والكراهية بين البلدين والشعبين. إن زيارة السيسي للإمارات هي في الحقيقة تتويج لعمل عربي ناجح، فها هي مصر تعبر الصعوبات وتنتصر عليها واحدة بعد الأخرى، وتمضي في طريقها بثبات، وها هي العلاقات المصرية- الإماراتية على حالها الذي عهدناه، تجسيداً لأرقى معاني الأخوة والتعاون الذي يحقق مصلحة البلدين والشعبين. أهلا بالرئيس عبدالفتاح السيسي، زعيماً وقائداً وضيفاً عزيزاً كريماً، على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة.