بعد عقد من مفاوضات صبورة مع إيران بشأن برنامجها النووي المثير للجدل، تبدو احتمالات توصل الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى إلى اتفاق نهائي غير جيدة. وستمضي عجلة الدبلوماسية قدماً وينبغي أن يتم ضمان تمديد المحادثات. ولكن آن أوان الاعتراف بأن سياسة «الاشتباك» اعتمدت على سلسلة من الافتراضات التي - وإن كانت منطقية- قد ثبت خطأها بشكل كبير. وفي حين تقيّم واشنطن خطواتها المقبلة، سيكون من الحكمة إعادة النظر في التقديرات التي ارتكز عليها أسلوبها في التعامل مع أكثر خصومها مراوغة. وقد اعتمدت إدارتا بوش وأوباما على الضغط المالي في تخفيف حدة طموحات إيران النووية. وجوهر هذه السياسة أن الضغط الاقتصادي المستمر سيغير من حسابات الجمهورية الإسلامية، ويفضي في نهاية المطاف إلى التخلص من أكثر الملامح المزعجة في برنامجها النووي. وقد كانت هذه براجماتية أميركية في أوضح صورها، إذ اعتقدت أن الاقتصاد سيسمو فوق الأيديولوجية والتاريخ في تحديد الأولويات الوطنية. وبالطبع لم تكن تلك السياسة من دون نجاحات، إذ عززت نظام العقوبات الذي أجبر إيران على تغيير أسلوبها في التفاوض. غير أن ما أغفلته أن إيران دولة ثورية قلما تتخذ قرارات اقتصادية مبنية على تقديرات، وفي الحقيقة، يبدو أن فكرة التكامل مع الاقتصاد العالمي تخيف بدرجة كبير حكام إيران المؤدلجين، الذين يرغبون في وجود أعداء خارجيين لتبرير حكمهم المطلق. ويبدو أن استراتيجيات واشنطن الدبلوماسية تجهل أيضاً تغير ديناميكيات السياسة الإيرانية؛ ذلك أن الانتخابات الرئاسية في عام 2009 وما شابها من توترات كانت نقطة تحول في التاريخ الإيراني، إذ انقلبت إيران من حكومة تضم فصائل متعددة إلى نظام متسلط آخر. وتم إخراج قوى الإصلاح من المشهد السياسي، تاركين من خلفهم ملالي تتشابه عقولهم وآراؤهم. وفي حين أن كثيرين في الغرب لا يزالون يعتقدون أن إيران دولة أحزاب متشاكسة وشخصيات متنافسة، إلا أن الإيرانيين أنفسهم يتحدثون عن وجود «نظام»، ولا يشير ذلك إلى وجود اختلافات بين القوى الفاعلة الرئيسية، ولكن النظام شكّل إجماعاً على القضايا الرئيسة، مثل قمع المنشقين والحفاظ على المسار الأساسي للبرنامج النووي. وقد كان خطأ التشخيص الأميركي للحالة الإيرانية في أوضح صوره عندما تقلد حسن روحاني الرئاسة عام 2013، حيث كان انتخاب روحاني بمثابة لوم للمرشد الأعلى وأيديولوجيته، وأقنع كثيرون في واشنطن أنفسهم بأنهم إذا استثمروا في روحاني فإنهم يمكن أن يدخلوا عصر الاعتدال في إيران، أملاً في أن يقدم الرئيس الجديد تنازلات نووية مهمة ويتعاون مع الولايات المتحدة من أجل إرساء الاستقرار في المنطقة المضطربة. لكن النقطة المفقودة في ذلك كله كانت كيف أن النظام لمّ شمله في 2009، وعزز سلطته وقوض مساره الديمقراطي. ومن ثم، سعت إدارة أوباما للتلاعب بالأحزاب الإيرانية في لحظة دقيقة عندما لم يعد للفصائل دور فاعل في السياسة الإيرانية. ولن تغير إيران سبيلها بسهولة، وإنْ كان من أمل لتغير الحسابات الإيرانية، فيجب أن يرى قادتها أن الثمن سيكون غالياً ـ وفق حساباتهم. ولابد أن تعتمد أي استراتيجية جبرية على عزل إيران بدرجة أكبر عن الأسواق العالمية والمؤسسات المالية، ومع تراجع أسعار النفط، سيكون الاقتصاد الإيراني أشد ضعفاً تجاه مثل هذه الضغوط. ولكن ذلك لا يمكن أن يكون نهاية المطاف، فيجب أن تواجه إيران ضغوطاً على الصُعد كافة. إيريك إدلمان ودنيس روس وراي تقيه يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»