ليس مفاجئاً أن إدارة أوباما تواصل تعثرها في مساعي حل الأزمة السورية، خصوصاً أنه لا توجد خيارات جيدة في حرب حصدت أرواح أكثر من مائتي ألف شخص وأدت إلى نزوح عشرة ملايين آخرين. والرئيس محق في القول إنه لا توجد حلول سحرية، لكن رغم ذلك فهو يدرك أن تجاهلها ليس بديلا إذا ما كنا بصدد تحقيق هدفه المعلن المتمثل في تقليص قدرات «داعش» وتدميرها في النهاية. فترك ملاذ آمن للتنظيم الإرهابي في سوريا يضمن له القدرة على إحلال الدمار بالعراق ومكاناً عملياتياً يمكنه من التخطيط والتجنيد وتنفيذ الهجمات. ورغم ذلك، تنطوي كافة الخيارات على مآزق، فالقصف الأميركي لأهداف «داعش» في سوريا أطلق يد نظام الأسد لاستهداف المعارضة الأخرى. وبينما ترى هذه القوى أن الهجمات الأميركية ضد «داعش» تجعلها تدفع ثمناً، فإن واشنطن تخاطر بحشد تلك الجماعات التي تأمل في أن تحل محل «داعش». لكن الإدارة تتفادى مهاجمة أهداف النظام السوري، لأنها تخشى من رد إيراني في العراق أكثر منه في سوريا. ومثلما أخبرني مسؤول رفيع في الإدارة، فإذا هاجمنا مواقع بشار الأسد، فيطلق الإيرانيون المليشيات الشيعية ضد تواجدنا في العراق. وبالطبع، لابد من الأخذ في الحسبان الرد الإيراني، لكن هل يفوق حرص إيران على نظام الأسد التهديد المباشر الذي يمثله «داعش» على طهران ووكلائها في العراق؟ وهل محاربة إيران للتنظيم في العراق مجرد معروف تسديه لنا؟ من الصعب تصديق أن إيران ستسعى لإضعاف الحرب ضد «داعش». ورغم ذلك ليس ثمة خطأ في أن الإدارة نأت بجانبها عن مهاجة أهداف النظام السوري. وعندما كتب الصحفي هشام ملحم خلال الشهر الجاري أن السبب الحقيقي وراء عدم توجيه الإدارة الأميركية ضربة لمعاقل الأسد هو أن ذلك سيكون له تأثير سلبي على موقف إيران من المفاوضات بشأن القضية النووية، كان يعبر عن آراء كثيرين في المنطقة العربية. ومرة أخرى، نرى مأزقاً: فالتردد في ضرب الأسد، خصوصاً إذا كان مدفوعاً بالحساسية تجاه مخاوف الإيرانيين، يغذي الاستياء لدى شركائنا من العرب السنة الذين يخشون من أن أي اتفاق نووي مع إيران سيكون على حسابهم، ولا يشعرون بارتياح تجاه الحديث عن أي انفراجة محتملة في العلاقات الأميركية الإيرانية. وبالطبع، ستكون الانفراجة مفيدة لو أحدثت تغييراً على موقف إيران في المنطقة، لكن لسوء الحظ، ليس هناك ما يوحي بأن طهران لديها أية نية لذلك. بل على النقيض، يبدو أن الإيرانيين عازمون على تغيير ميزان القوة الإقليمي لصالحهم، في ضوء حديثهم عن تأثير بارز في أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. ونبرة الانتصار هذه تعمق شكوك السنة تجاه الولايات المتحدة. وفي النهاية، يعتبر السنة أكثر أهمية إذا كانت هناك رغبة في هزيمة تنظيم «داعش». وباختصار، يمكن للسنة وحدهم تجريد «داعش» من أي مصداقية، ولا يمكننا نحن أو إيران أو المليشيات الشيعية فعل ذلك. لذا فإنه إذا تم السماح لنظام الأسد بزيادة هجماته ضد المعارضة غير التابعة لـ«داعش» من دون محاسبة، ومن دون تقديم دعم قوي لتلك المعارضة، فلن يبقى السنة في صفنا. والأسوأ من ذلك أننا نخاطر بجعل «داعش» تبدو حامية حمى السنة. وعليه، تبدو الخيارة المتبقية صعبة، بينما تنتظر جهود الإدارة الأميركية المعلنة الرامية إلى تدريب وتسليح خمسة آلاف من قوات المعارضة التمويل من الكونجرس، بينما لم تبدأ عملية اختيار هؤلاء المقاتلين. وثمة حدود لما يمكن إنجازه عبر زيادة برنامج التسليح السري الذي تشرف عليه الاستخبارات المركزية الأميركية. ومؤخراً أغارت جبهة «النصرة» على القوات التي يعكف البرنامج على تسليحها، وكان مصير الأسلحة إلى التنظيم التابع لـ«القاعدة». والمسار الحالي في سوريا يعني المخاطرة بفقدان تأييد السنة. وربما آن الأوان كي تعيد الإدارة التفكير في موقفها من إنشاء منطقة عازلة للمعارضة السورية على طول الحدود التركية، والتي يمكن إنشاؤها بحظر أي طيران سوري في عمق 75 ميلاً من الحدود. --------------------- *مستشار الرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط (2009 -2011) ------------------ يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»