تحرص الدول على حماية شعوبها وأراضيها ومقدراتها من خلال تدعيم «الأمن الوطني»، الذي تعتبره من أولى الأولويات، فتخصص له مؤهلين وميزانيات ضخمة، حتى لا يتعرض لأي اهتزازات أو اختراقات. ويشمل الأمن الوطني تأمين البلاد والحفاظ على مصادر قوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وإيجاد الاستراتيجيات والخطط الشاملة التي تكفل تحقيق ذلك. كما تصدر القوانين واللوائح التي تنظم الحفاظ على الأمن الوطني والسعي لحماية الفكر والقيم والتقاليد الخاصة بالمجتمع وهويته، أي كل ما يدخل في باب الأمن الفكري، الذي يعني - كما يقول الدكتور صالح المالك - «الحفاظ على المكونات الثقافية والأصلية في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة أو الأجنبية المشبوهة». أما الأمن الوطني العام، فهو، وفقاً للدكتور حمد بن عبدالله اللحيدان، «ذلك الذي يتعلق بقدرة الدولة على حماية أراضيها وشعبها ومصالحها وعقائدها وثقافتها واقتصادها.. من أي عدوان خارجي، بالإضافة إلى التصدي لكل المشاكل الداخلية، والعمل على حلها، واتباع سياسة متوازنة تمنع الاستقطاب، وتزيد من وحدة الكلمة، وتجذير الولاء للوطن والقيادة». (جريدة «الرياض»، 22/4/2011). المفهوم الأميركي للأمن الوطني جاء في مقدمة للرئيس جورج دبليو بوش بتاريخ 17/9/2002، عندما أعلن أن «الولايات المتحدة ستقف مع أي تصميم للأمة لخلق مستقبل أفضل، عبر استثمار الحرية للشعب. فقد أثبتت حرية التجارة وحرية الأسواق قدرتهما على الارتقاء بالمجتمع من حالات الفقر. لذا ستعمل الولايات المتحدة مع الدول الأخرى لخلق حرية التجارة والنماء والرخاء». وبطبيعة الحال، فإن مفهوم الأمن يختلف بين الدول والمجتمعات؛ فاستقرار الولايات المتحدة عسكرياً يضمن استقرارها اقتصادياً، لذلك جاءت استراتيجية الأمن القومي الأميركي مُركزة على الواقع الاقتصادي. إن بناء قاعدة اقتصادية قوية، تسهل على الولايات المتحدة تشكيل النظام العالمي لمواجهة تحديات العصر. ورغم اختلاف الرؤيتين العربية والأميركية لمفهوم الأمن الوطني، فإن نواحي الاتفاق تبدو واضحة، وهي حفظ أمن الشعب، وإن كانت الوسائل مختلفة. ونظراً لخصوصية الأوضاع في معظم دول العالم العربي، وعدم وجود ديمقراطية في أكثر دوله، ووجود الحركات الإرهابية والمتطرفة على تخوم هذا الوطن، فإن وسائل المحافظة على هذا الأمن قد اختلفت أيضاً، وربما تفرعت عن ذلك تداعيات عديدة. إن استيقاظ الهاجس الأمني بسرعة وعنف كان نتيجة تلاحق الأحداث، وبروز حركات متطرفة تريد العبث بمقدرات الشعوب الآمنة. وقد لا نلوم الحكومات في ذلك؛ لأن أمن الشعوب أمانة في أعناق الحكومات، لكننا ندعو إلى عدم التسرع في تجريم الكتّاب والمثقفين أو حرمانهم من مكتسباتهم الوطنية والحقوقية طالما لم يقتربوا من المساس بحدود الأمن الوطني، خصوصاً إذا ما أثبتت دوائر الاختصاص «النشطة» صدق نوايا وأعمال هؤلاء الكتّاب وحبهم لأوطانهم، ولم يصدر بحقهم أي حكم متعلق بتهمة تمس الأمن الوطني أو الفساد الإداري أو المساس بمقدرات المجتمع وتقاليده. نحن مع معاقبة المجرم الذي يعبث بأمن البلدان، ويُرهب الشعوب، ويساهم في ضعضعة اقتصادها ويُفسد مؤسساتها ويشوه سمعتها في الخارج، ومع محاصرة أصحاب الأفكار الهدامة، الذين «يُخربون» أفكار الشباب برؤى ليست في مصلحة الأوطان. لكننا في الوقت ذاته، مع جهد المواطن الذي يضع مصلحة الوطن نصب عينيه، ويتصدى لعمليات «التخريب» بأشكالها المختلفة، الفكرية والمادية، حتى لو جاء ذلك من قبل كتّاب قد لا يكونون دوماً من «المداحين أو الصداحين»، لكنهم يؤمنون بحتمية مناقشة قضايا أوطانهم بعقلانية وشفافية، ولا يريدون لهذه الأوطان إلا خيراً وأمناً. فهذا يفيد الأنظمة ويفيد المجتمعات.