ما الذي يعتبر نجاحاً في السياسة الخارجية؟ السؤال أثير في الآونة الأخيرة بسبب تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه) أعد فيما يبدو ليتعرف الرئيس أوباما من خلاله على إذا كانت الولايات المتحدة قد حققت نجاحاً من قبل في دعم متمردين ضد حكومات غير صديقة. وأُعد التقرير ليوفر معلومات تغذي مشاورات الرئيس بشأن إذا ما كان يجب تقديم الدعم للمعارضة السورية وما مقدار هذا الدعم. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس أراد أن يعرف مدى نجاح تقديم الدعم للمتمردين ضد الحكومات غير الصديقة والإجابة التي قدمها محللو (سي. آي. إيه) هي النفي في الأساس، واقتنع الرئيس بالإجابة. وهذا يبدو استنتاجاً غريباً مع الأخذ في الاعتبار سجل (سي. آي. إيه) وهو متباين النتائج على الأقل. وكما يشير زميلي في معهد بروكينجز، بروس ريديل، فهناك «نجاح مشهود» واحد على الأقل وهو تسليح المجاهدين ضد القوات السوفييتية في أفغانستان بين عامي 1979 و1989. وأشار «ريديل» إلى أن المتمردين المدعومين من أميركا لم ينجحوا في طرد السوفييت من أفغانستان فحسب، بل إن الصراع لعب دوراً محورياً في إنهاء الحرب الباردة. وتنجح أحياناً مثل هذه الجهود في إنجاز هدف، لكن ليس بالشكل الذي كان مفهوماً في بداية الأمر. ولنأخذ مثال دعم إدارة ريجان لجيش المتمردين في نيكاراجوا الذي كان يقاتل حركة ساندينيستا. وتقرير (سي. آي. أيه) ينظر إلى هذا المسعى فيما يبدو باعتباره فشلاً ذريعاً. وفي الحقيقة، لقد كان المسعى ناجحاً في الأساس. ففي فترة الثمانينيات، تطور تدريجياً ما بدأ باعتباره قوة صغيرة غير فاعلة ليصبح جيشا قويا من الفلاحين. وبحلول عام 1989، خشي أنصار حركة ساندينيستا القوة المتنامية وما تمثله من استياء عبر البلاد. ونتيجة لهذا وفي مسعى لإنهاء التمويل الأميركي للمتمردين وافق أنصار حركة ساندينيستا على إجراء انتخابات حرة وديمقراطية برقابة دولية خسروها على الفور. لذا فإن دعم التمرد من الولايات المتحدة فشل في الإطاحة بحركة ساندينيستا اليسارية. لكنه في المقابل أجبر الحركة على أن تطيح بنفسها. ومع مرور الوقت نجح المتمردون في تحقيق الهدف الأميركي الأصلي المتمثل في إجبار حركة ساندينيستا على التوقف عن تقديم المساعدة العسكرية للميليشيات المتمردة في السلفادور، مما سمح بدرجة ما بأن ترسخ الديمقراطية أقدامها هناك. ولم يشر تقرير (سي. آي. إيه) إلى هذه الحقائق وكان يجب أن يفعل لأنها تقدم درساً توجيهيا للرئيس في سوريا. ولفترة ما ربما كان من الصحيح أن المتمردين في نيكاراجوا لن ينجحوا أبدا في إلحاق الهزيمة بحركة ساندينيستا لكن اتضح أن هذا ليس صواباً. فالحرب مليئة بالمفاجآت. وكي يتجنبوا احتمال الخسارة عسكرية سعي أنصار حركة ساندينيستا للعثور على مخرج سياسي. فهل من الممكن أن يجري الطاغية السوري بشار الأسد حسابات مشابهة إذا واجه تمردا جيد التمويل مدعوما من الولايات المتحدة؟ وما من سبيل للمعرفة سلفا تماما كما لم يكن هناك طريقة للمعرفة سلفا بأن أنصار حركة ساندينيستا سيغامرون بإجراء انتخابات تقضي عليهم. عالم السياسة الخارجية غائم كما هو حال الشؤون الإنسانية بصفة عامة، ولا توجد يقينيات ولا نجاح كامل، بل نجاح جزئي وإخفاقات جزئية. وكل مشكلة يتم حلها تخلق مشكلات جديدة. فقد ألحق الحلفاء في الحرب العالمية الثانية الهزيمة بألمانيا النازية لكنهم تركوا نصف أوروبا تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي بزعامة ستالين، مما تمخض عن حرب باردة استمرت أربعة عقود. فهل كان من الأفضل ألا نقاتل في أوروبا في الحرب العالمية الثانية؟ ودعم المجاهدين الأفغان ضد السوفييت ساعد في تمهيد الأرض للقاعدة بعد ذلك بعقد. هل يعني هذا أنه ما كان يجب علينا أن ندعم المجاهدين في الثمانينيات؟ ربما يعني أنه ما كان يجب تجاهل أفغانستان في التسعينيات. المطالبة بنتائج مضمونة وكاملة النجاح في السياسة الخارجية مستحيل وامتناع التصرف دون ضمان هو امتناع تام عن التصرف. وربما ما أراده أوباما هو تبرير التقاعس عن الفعل وهو ما فعلته (سي. أي. أيه.) بإخلاص. لكنه إذا كان يحاول صادقا أن يقيم خياراته فينبغي أن يعيد النظر في الإخفاقات الماضية. والإخفاق في سوريا يبدو جيدا إلى حد كبير حاليا. روبرت كاجان زميل معهد بروكينجز ومسؤول سابق بالخارجية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»