هناك العديد من العوامل التي تؤثر على حياة الناس المعيشية، وعلى التنمية بشكل عام، كسوء الإدارة العامة والبيروقراطية والكوارث الطبيعية والفساد، إلا أن أخطرها وأشدها تأثيراً يأتي عامل الإرهاب، والذي تمتد تأثيراته لتشمل كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فبالإضافة إلى تدمير البنى التحتية، فإنه يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال، وانتشار البطالة، وتدمير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص بسبب نزوح السكان، ونقص المواد الأولية، وتدهور القطاع الزراعي والخدمات. لذلك، جاء منتدى «الاتحاد» التاسع، والذي عقد بالعاصمة أبوظبي الأسبوع الماضي، ليلقي الضوء على النتائج الكارثية للإرهاب الذي عم العالم في السنوات الماضية، وبالأخص منطقة الشرق الأوسط المضطربة، والتي تكبدت بلدانها خسائر هائلة من الصعب حصرها. وتختص العمليات الإرهابية بكونها تحمل معها الدمار الشامل الذي لا يستثني قطاعاً اقتصادياً معيناً، حتى وإنْ كان هذا القطاع على علاقة بحياة الناس اليومية، كالخدمات الكهربائية والمياه، بل وحتى الأغذية والمساكن، كما أنه يشمل كافة فئات المجتمع بغض النظر عن مستوياتهم ومواقعهم الاجتماعية، أو انتماءاتهم القومية، أو السياسية، أو الطائفية. لقد تعرضت العديد من بلدان المنطقة، كليبيا والعراق وسوريا واليمن لدمار شامل ألحق ضرراً بالغاً باقتصادات هذه البلدان، وأدى إلى تشريد وتهجير الملايين من السكان، وارتكاب جرائم شنيعة، إذ لا زال هذا الدمار مستمراً بصورة يومية لتتراكم الخسائر الناجمة عنه، وتبلغ أرقاماً فلكية في بلدان، إما أنها في طور النمو، كليبيا والعراق، أو أنها فقيرة وتصنف ضمن أكثر بلدان العالم تخلفاً، كاليمن. ومع أنه لا يبدو في الآفاق مؤشرات على أن عمليات التخريب والتدمير الإرهابية للمرافق العامة والبنى التحتية ستتوقف في المستقبل القريب، وإنما على العكس من ذلك، فإن الأمور تسير نحو المزيد من التدهور مع امتلاك المنظمات الإرهابية أسلحة جديدة ومتطورة، وانضمام المزيد من المؤيدين والأنصار، فإن المستقبل الاقتصادي لهذه البلدان يبدو مظلماً، ويحمل في طياته مآسي وأدوات تدمير لا حدود لها. وللأسف، فإن هذه الجوانب الضارة لا تقتصر على البلدان آنفة الذكر وحدها، وإنما هناك انعكاسات سلبية على الدول الأخرى وعلى الاقتصاد العالمي ككل، خصوصاً وأن العمليات الإرهابية والتدمير الاقتصادي يشمل بلداناً رئيسية منتجة للنفط، أو أنها تحتل موقعاً مهماً في التجارة الدولية، كمصر، حيث يعبر من خلال قناة السويس جزء كبير من تجارة العالم. من هنا، فقد أضحت مسألة مكافحة الإرهاب مسألة دولية تهم كافة بلدان العالم، إذ من الصعب تصور اقتصار الأضرار الاقتصادية على الدول التي تدور فيها حروب أهلية، أو تلك المحيطة بها في منطقة الخليج العربي الذي تختزن في أراضية أكثر من 50% من احتياطيات النفط العالمية، فالعولمة وانفتاح الأسواق والترابط الذي لم يسبق له مثيل بين اقتصادات الدول تؤدي جميعها إلى ضرورة تكاتف الجهود الدولية لوقف هذا الدمار الذي ساد المنطقة. ليس من السهل القيام بذلك، فهناك مصالح متضاربة، كما أن هناك قوى تستفيد من العمليات الإرهابية وتقوم بتسهيلها وتنفيذها، انطلاقاً من مصالح آنية ضيقة ومؤقتة، إلا أن التفكير بعيد المدى يتطلب نظرة أكثر شمولية لمصالح البلدان الداعمة للإرهاب نفسها وللاقتصاد الدولي ككل، ففي نهاية المطاف لن يستفيد أحد من عمليات التدمير الاقتصادي والتهجير القسري للسكان، إذ إنه مع عمليات التخريب تنخفض التجارة عبر الحدود ويتدفق اللاجئون، والذين يشكلون عبئاً ثقيلاً، مثلما هو الحال في لبنان، والذي تجاوز فيه عدد اللاجئين السوريين 20% من السكان البالغ عددهم 4 ملايين نسمة، مما يعني أن ثمن الإرهاب مكلف جداً، وسيدفع أكثر من طرف تكاليفه الباهظة.