في كل مرة يبرز الثعلب بثياب الواعظين، كما قال أمير الشعراء الراحل أحمد شوقي. في كل مرة يمشي في الأرض يهدي ويسب الماكرين، ويطلب الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا،لكن ديك أمير الشعراء أحمد شوقي كان أذكى وأكثر حصافة من كل ديوك العرب أو ديكة العرب.. ديك شوقي لم ينخدع بورع الثعلب المزيف - وأطلق صرخته في وجهه: عذراً يا أضل المهندين. مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب ديناً - أما ديكة العرب، فإنهم انخدعوا وما زالوا، وسيظلون بالورع المزيف للثعالب والذئاب أيضاً. نحن في زمن ورع الثعالب والذئاب وتقوى الذباب، هذا الطنين بالدين يزعجنا ويضلنا ولا يهدينا. الذئاب تفترسنا باسم الله، لم يعد في قوس الصبر منزع وليس هناك من حل، ما دام الإرهاب يفعل ونحن نكتفي برد الفعل، ما دام الإرهاب يهاجم، ونحن في موقف الدفاع. ليس هناك سوى إسلام واحد، ليس هناك إسلام معتدل، وإسلام متطرف، ليس هناك إسلام سُني وإسلام شيعي، الإسلام واحد، ومن أراد تقسيمه وتصنيفه وجب قتله (...أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)، «سورة يوسف: الآية 39»؟. هؤلاء الإرهابيون أرادوا أرباباً متفرقين، ويعبدون أرباباً متفرقين، وعلا كل إله من آلهتهم بما خلق من افك وافتراء. ليس صحيحاً أبداً أن حل القضية الفلسطينية يقضي على الإرهاب، لكن الصحيح أن القضية الفلسطينية كانت وما زالت مبرراً للإرهاب والتطرف. وهذه القضية لم يعد لها وجود الآن، ولم تعد قضية العرب الأولى كما كانت، كما أنها ليست في رأس الإرهابيين، ولا تعنيهم في قليل أو كثير، الإرهاب أيها السيدات والسادة أصبح قضية قائمة بذاتها ليس سبباً ولا نتيجة لقضايا أخرى، ومحاولة ربط الإرهاب بالفساد، أو البطالة، أو الفقر، أو الظلم أو الاستبداد أو غياب الحل للقضية الفلسطينية مجرد ذرائع لتبرير الإرهاب والتماس العذر له. أيها السيدات والسادة الإرهاب صار في هذه الأمة عادة وعبادة، ليس هناك ارتباط شرطي بين الإرهاب وأي أمر آخر، نحن نتعامل مع الإرهاب على أنه عرض لمرض، بينما هو في واقع الأمر، مرض وليس عرضاً. هناك جينات للإرهاب في الأدمغة تجعل هذا المرض وراثياً منذ الفتنة الكبرى أيام سيدنا عثمان رضي الله عنه، وفي سلسال ومسلسل الدم والنار والدمار العربي لم يكن هناك ارتباط شرطي بين الإرهاب وقضايا أخرى - لم تكن هناك إسرائيل، ولا قضية فلسطين، ولا بطالة ولا فقر، ولا فساد وظلم واستبداد في عهد الخلفاء الراشدين، لكن كان هناك إرهاب، وكان الإرهابيون يبررون جرائمهم ويبرر لهم المبررون بأنهم ما أرادوا إلا إحساناً وتوفيقاً، وأنهم يريدون الحكم بما أنزل الله، وأنهم وحدهم المؤمنون وكل من ما خالفوهم كفرة.. لم تتغير مفردات الإرهاب أبداً منذ فتنة عثمان - المصطلحات والألفاظ والتعابير نفسها - القول نفسه الذي ردده الكفار من أقوام الأنبياء عليهم السلام: وجدنا آباءنا، ألفينا آباءنا، نحن على آثارهم مهتدون ومقتدون، لكن الإرهابيين يسمون ذلك سلفية جهادية، وهو النهج نفسه الذي يرفع شعار (وجدنا آباءنا)، ومن خالف آباءهم، فهو مجنون أو ساحر - والآن هو كافر وزنديق ومارق - نهج الأغبياء الذي واجه به الكفار كل الأنبياء - هم الذين يقولون لمن ألقى عليهم السلام: لست مؤمناً ابتغاء عرض الحياة الدنيا، بمعنى أن الحوار معهم مستحيل - الحوار معهم عبث - فأنت ما دمت لست معهم فأنت ضدهم ولست مؤمناً. الإرهابيون مثل الكفار من أقوام الأنبياء يعبدون أيضاً أصناماً صنعوها في رؤوسهم، يشركون بالله أشخاصاً يأتمرون بأمرهم، وينفذون أجندتهم حتى الانتحار، والذي يدعو إلى الحوار معهم غبي مثلهم تماماً، لذلك لا أكتب كلامي هذا للإرهابيين لعلهم يقتنعون ويقلعون، فهذا مستحيل، لكني أكتب لي ولغيري من أبناء هذه الأمة الذين يملأون الدنيا تبريراً للإرهاب - والذين يملأون الدنيا طنيناً بالدين - والذين يظنون أن للثعالب والذئاب والذباب ديناً. ليس هناك سوى سبب واحد للإرهاب وهو الغباء والتخلف، والتخلف ليس مرتبطاً بالضرورة بالفقر. .المتخلف قد يكون ثرياً أو فقيراً، وقد يكون عالماً في الذرة، وقد يكون معلماً أو متعلماً. وليس صحيحاً أيضاً أن الإرهابيين هم إفراز لمناطق عشوائية وبيئات فقيرة، ومحاولة ربط الإرهاب بأي ظاهرة أخرى ثبت زيفها وفشلها، وإذا كان الإرهابي فقيراً، فإن من يموله غني يملك الملايين وربما المليارات، والذي يمول الإرهاب إرهابي بالضرورة. الإرهاب مرتبط بالغباء والتخلف، وهاتان بكل أسف آفتان عربيتان، والإرهاب ظاهرة معزولة تماماً وليست مرتبطة بغيرها، هكذا يجب أن نفهم هذه الآفة، الإرهاب تحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث شريف، ولم يربطه عليه الصلاة والسلام بأي سبب أو ظاهرة أخرى، لكنها فتن كقطع الليل المظلم، لكننا سنفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة، وفي النار إلا فرقة واحدة، وهذه الفرقة كما قلت لكم من قبل هي التي ليست فرقة، هي جماعة المسلمين وعامتهم ،أنا وأنت وهو وهي الذين لا يرفعون راية لـ«الإخوان»، أو «داعش» أو (أنصاب وأزلام بيت المقدس). اليهود افترقوا إلى واحد وسبعين فرقة، والنصارى افترقوا إلى اثنتين وسبعين، ونحن المسلمين أسوأ منهم، إذ افترقنا إلى ثلاث وسبعين - نحن أسوأ منهم لأن النصارى واليهود بكل الصدق ليست لديهم ثقافة الإرهاب والانتحار ، ربما لديهم ثقافة التآمر، والحق أن التآمر ذكاء والإرهاب والانتحار غباء، نحن المسلمين الآن ثقافتنا ثقافة موت، وليست ثقافة حياة، ثقافة صوت وليست ثقافة فعل - ثقافة نقل وليست ثقافة عقل. ثقافة إرهاب وليست ثقافة حوار، ثقافة عصا وليست ثقافة جزرة. لم أر قوماً مثلنا يتعبدون لله بالدم والنار والخراب والقتل، ويتقربون إليه عز وجل بالموت لا بالحياة. لم أر قوماً مثلنا ثقافتهم ثقافة نحيب وقبور، ويحرمون على أنفسهم وعلى غيرهم ثقافة الحبور والقصور، لم أر قوماً مثلنا أيها السادة أصبح الإرهاب عندهم عادة وعبادة، وثقافتهم ثقافة صوت وحضارتهم حضارة موت.