الصحافة الفرنسية
تحدي معركة «كوباني» السورية.. ودعوة للاعتراف بالدولة الفلسطينية
استمرار الصراع حول مدينة عين العرب «كوباني» السورية، ودعوات أوروبية أخرى للاعتراف بدولة فلسطين، ومخاوف من تفشي «الكوليرا» بعد «إيبولا» في غرب أفريقيا، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.
معركة «كوباني»
نشرت صحيفة لوموند تحليلاً سياسياً مطولاً تحت عنوان «ستة أسئلة حول معركة كوباني» قالت فيه إن الصراع المرير حول هذه المدينة الكردية السورية يكتسي أهمية بالغة في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، مبرزة أن «كوباني» -التي تسمى أيضاً عين العرب- تعتبر هي ثالث مدينة كردية في سوريا من حيث الحجم، كما أنها تمثل إحدى المناطق الثلاث التي يتكوّن منها إقليم كردستان السوري الواقع على الحدود مع تركيا. وتفصل بين المناطق المأهولة من قبل الأكراد السوريين مناطق أخرى واقعة تحت سيطرة تنظيم «داعش» وجماعات متطرفة مختلفة. وهذا ما يجعل ترابطها مع المدن والبلدات الواقعة في الطرف الآخر من الحدود ضرورة وأمراً واقعاً في سياق الصراع الراهن. وقد أعلنت «كوباني» والمنطقتين القريبتين منها الاستقلال عن نظام الأسد في شهر نوفمبر 2013 حيث أقيمت سلطة محلية بزعامة الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، وهو جماعة مسلحة تركية المنشأ وتتمركز أساساً في جبال قنديل بشمال العراق. وقد أخذ الأكراد السوريون في البداية مسافة أمان من الصراع المرير بين النظام السوري والثوار المعارضين، وكانوا يفاوضون النظام، ويسيِّرون معه شؤون بعض المدن في شرق إقليم كردستان. ولكن منذ شهر يونيو 2013 دخل الأكراد في صراع مع بعض الجماعات المعارضة المسلحة، ومنذ يناير من العام الجاري انفرد تنظيم «داعش» تقريباً بالسيطرة على مناطق واسعة في سوريا والعراق، وتفاقمت خطورته، وتمدد باتجاه الأماكن التي كان الأكراد يسيطرون عليها. ومن خلال الهجوم على مدينة «كوباني» يسعى التنظيم الإرهابي لتأمين طريق من حلب إلى الرقة وصولاً إلى مدينة «تال أبات» الحدودية. وكان الأكراد قد هددوا هذا الطريق عدة مرات منذ العام الماضي، وخاصة من جهة مدينة «سارين» الواقعة قرب جسر حيوي على نهر الفرات.
وذهبت الصحيفة إلى أن من دوافع الهجوم على «كوباني» كونها أيضاً هي الأشد عزلة والأكثر سهولة وانكشافاً أمام أي هجوم يروم السيطرة عليها، ولذلك فهي بمثابة خاصرة رخوة مقارنة مع المناطق الكردية الأخرى في سوريا. ولو أن «داعش» تمكن من السيطرة عليها، لكان سينظر إلى ذلك باعتباره هزيمة كبيرة لحزب العمال الكردستاني. وهذا التنظيم الكردي المسلح الذي يمتد تاريخه لثلاثين سنة هو الطرف الوحيد الذي يقف خصماً لـ«داعش» على الأرض الآن في كل من العراق وسوريا. ومن المعروف أن حزب العمال هو الذي كسر طوق الحصار الذي فرضه «داعش» في جبال سنجار بالعراق، وسعى لمساعدة السكان الإيزيديين المحاصرين هناك في شهر أغسطس الماضي.
وفي سياق تحليل المواقف في الفضاء الإقليمي القريب من معركة «كوباني» تساءلت لوموند: ماذا ستفعل تركيا؟ مجيبة بأن أنقرة فتحت حدودها لعبور 180 ألف لاجئ قدموا من المدينة ومنطقتها، منذ بداية الهجوم. كما استقبلت من قبل أكثر من مليون لاجئ سوري منذ اندلاع الصراع. ويعتقد أن الجيش التركي المنتشر على طول الحدود قد غض الطرف أيضاً عن عبور المقاتلين السوريين للحدود، وعلى الأرجح كذلك الأسلحة. كما يتم علاج مقاتلين في مستشفيات حكومية تركية، بطريقة سرية. وإن كانت تركيا ترفض تقديم الدعم لهم رسمياً بشكل علني، وتضع عراقيل أمامهم في الحدود. ولكن أنقرة ما زالت ترفض أيضاً التدخل بشكل مباشر في «كوباني» تحديداً، والسماح بعبور مقاتلي حزب العمال الكردستاني والمتطوعين الأكراد والأتراك للمشاركة في المواجهة. والحال أن تركيا ترى أن الطرفين المتصارعين في «كوباني» خطيران معاً: «داعش» وحزب العمال الكردستاني. وقد قبل هذا الأخير منذ سنتين الدخول في هدنة مع الجيش التركي، بعد ثلاثين سنة من حرب عصابات أوقعت 40 ألف قتيل، من بينهم 7 آلاف من أفراد قوات الأمن التركية. وعلى رغم تكاثف ضغوط الولايات المتحدة وأوروبا على تركيا لكي تتصرف، إلا أنها ما زالت تجادل بأن ضرب الجماعات المتطرفة يمكن أن يفيد نظام الأسد، وهو ما يعني ضمناً ضرورة حرمانه من ذلك.
الاعتراف بدولة فلسطين
في صحيفة لوفيغارو تساءل الكاتب بيير روسلين في عنوان مقاله: «هل يتعين الاعتراف بدولة فلسطينية؟»، قائلاً إنه بعد إعلان السويد عن استعدادها للاعتراف بدولة فلسطين، وبعد تصويت البرلمان البريطاني لصالح قرار يدفع في هذا الاتجاه، إضافة إلى الحاجة إلى إعادة إعمار غزة، بات السؤال المطروح: ألم يحن بعد وقت الإعلان عن الاعتراف بدولة فلسطين من جانب أطراف أوروبية أخرى؟ وفي هذا السياق ذكَّر الكاتب بأن عرفات ورابين كانا قد توصلا منذ أكثر من عشرين سنة إلى اتفاق أوسلو الذي نالا بسببه جائزة نوبل للسلام، وكان يفترض أن يتكشف عن قيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية تتعايشان جنباً إلى جنب، بين البحر المتوسط ونهر الأردن، ولكن لم يتم الوفاء بالتعهد الذي قطع يومذاك، ولذا بات الضغط ضرورياً الآن على طرفي الصراع لدفعهما نحو التفاوض والتفاهم. ومنذ إخفاق الوساطة الأميركية في شهر أبريل الماضي لم تجر أية مفاوضات، ولم تظهر في نهاية نفق الجمود والانسداد أية مبادرة ممهدة لمساعي تسوية أخرى. ومن هنا تجاوزت الأمور تلك الحجة التي كان البعض في الدول الغربية يكررها زاعماً أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ينبغي أن يكون تالياً لتوقيع اتفاق سلام بين طرفي الصراع، وفقدت مثل تلك الذرائع كثيراً من القدرة على الإقناع، طالما أنه لا عملية تفاوض جارية أصلاً ولا حلول مطروحة على الطاولة، وعنوان المرحلة اليوم هو الانسداد الكامل لمسار قطار التسوية.
وبالنظر إلى كل هذا يرى الكاتب أن كثيرين باتوا يريدون تغييراً في ترتيب الأولويات والاستحقاقات، والأولوية الآن ينبغي أن تكون العمل على إبقاء حل الدولتين، ودعم شروط نجاحه، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن، وسد الباب على أية مساعٍ تحاول عرقلة قيامها، أو جعل العراقيل أمامها أمراً واقعاً بفعل تفاقم ممارسات الاحتلال والاستيطان في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.
وقد خطت الأمم المتحدة بأغلبية 130 دولة خطوة في اتجاه هذا الاعتراف كما فعلت ذلك أيضاً عدة دول أوروبية. وعندما تترجم السويد قرارها فسيكون هو الأول من نوعه على المستوى الأوروبي. ولاشك أن الاضطرابات العارمة الآن في الشرق الأوسط، والتهديد الذي يمثله وجود جماعات إرهاب مثل «داعش» على التوازن والاستقرار الإقليمي، والصراعات المحتدمة الأخرى في العديد من دول المنطقة، كل هذا من شأنه تغيير كثير من مفردات المعادلة. ومن المعروف أن الأوروبيين كانوا قد تعهدوا بمنح صفة «الشريك المفضل» لكلا طرفي الصراع، إن هما توصلا إلى تسوية، ولذا فإن التلويح بالاعتراف بدولة فلسطين يمكن أن يخدم الجهود الرامية لممارسة الضغط على نتنياهو.
«الكوليرا» بعد «إيبولا»
«لنوقف تهديد الكوليرا القابع خلف إيبولا» تحت هذا العنوان ناقشت لوموند التحدي الذي يمثله احتمال تفشي وباء جديد من مرض الكوليرا في الدول الأفريقية الغربية الثلاث الموبوءة بمرض «إيبولا» الآن وهي غينيا وسيراليون وليبيريا. وقالت الصحيفة إن تلك الدول عرفت من قبل عدة أوبئة من مرض الكوليرا كان آخرها في عام 2012 وثمة مخاوف قوية الآن من أن يجتاحها وباء مماثل بحكم انتشار المستنقعات في الفصل المطير، وتنقل الصيادين عبر الأنهار والمناطق الحدودية فيما بينها. وبالنظر إلى تفشي الفقر، وضعف الخدمات، وحالة المرافق الصحية المنهكة، والضغط الذي يسببه وباء «إيبولا» عليها، تبدو المنطقة هذه الدول الآن في حالة انكشاف أمام أي وباء جديد من الكوليرا.
وفي سياق متصل ناقش أيضاً الكاتب فرانسوا سيرجان في افتتاحية في صحيفة ليبراسيون ضرورة تقديم الدعم من قبل أوروبا للدول الأفريقية الموبوءة بمرض «إيبولا» مشيراً إلى أن تأكيدات الخبراء الصحيين أن الدول الأوروبية تبقى آمنة بحكم قوة خدماتها الصحية، والتدابير الوقائية والاحترازية التي اتخذتها، إلا أن عصر العولمة الحالي يجعل السيطرة على تفشي الأوبئة أمراً متعذراً.. وفوق ذلك من الواجب الأخلاقي والإنساني أيضاً أن تخف أوروبا، والعالم كله، لمساعدة الدول الأفريقية الموبوءة، والعمل على تطويق المرض في منبعه الأول، وخاصة أن تلك الدول لا تستطيع الاستجابة منفردة بشكل فعال لتحدٍّ صحي بهذا الحجم إن لم تنل دعماً دولياً واسعاً، ولذا فلابد من وقوف الدول المتقدمة والغنية إلى جانب تلك الدول الفقيرة، التي عانى بعضها كليبيريا وسيراليون من تداعيات الحروب الأهلية، وكلها تفتقر للموارد المالية، والخدمات الصحية الملائمة.
إعداد: حسن ولد المختار