الصحافة البريطانية
تحالف صعب ضد «داعش».. وقتال منسي في نيجيريا
دعوة لإعادة النظر في استراتيجية الحملة الدولية ضد «داعش»، وإيجابيات اعتراف البرلمان البريطاني بدولة فلسطين، وأهمية الحفاظ على المساعدات البريطانية لنيجيريا في مواجهة «بوكو حرام»... موضوعات استأثرت باهتمام الصحافة البريطانية هذا الأسبوع.
مواجهة «داعش»
مجلة «ذي إكونومست» الأسبوعية اعتبرت ضمن مقالة افتتاحية لها أن الحملة العسكرية ضد «داعش» التي يقودها ائتلاف دولي بزعامة الولايات المتحدة «لا تسير على ما يرام» لأن التنظيم المتطرف يحقق انتصارات متتالية ضد الغرب وحلفائه في كل من سوريا والعراق، مضيفة أن الاستراتيجية التي يتبعها الائتلاف تعاني من «تناقضات وقيود ذاتية» عديدة، ومشددةً على ضرورة أن يتغلب الائتلاف على نقاط الضعف والقصور هذه، وإلا فإن التنظيم سيزداد قوة وجاذبية، وهو عكس الهدف الذي يسعى زعماء الائتلاف لتحقيقه.
المجلة قالت إن تنظيم «داعش» بات يطرح تهديداً لكل منطقة الشرق الأوسط ويمكن أن يشكل مصدرا للإرهاب بالنسبة للغرب، ولذلك فإنه ينبغي بذل مزيد من الجهود من أجل التصدي له. ولكن تلك الجهود لن يكتب لها النجاح إلا إذا استطاعت الحملة حل تناقضاتها. وحل التناقضات يبدأ، حسب الصحيفة، من تركيا؛ إذ رغم تصويت بالبرلمان في أنقرة في الثاني من أكتوبر يرخص لقوات البلاد بتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول إن الضربات الجوية وحدها لن تقضي على «داعش» وإنه يتعين تسخير كل الوسائل لهزمها. وبالمقابل، يرفض مساعدة الأكراد في بلدة «كوبان» السورية، ويشترط إقامة منطقة عازلة وفرض منطقة حظر جوي على الجانب السوري من الحدود. كما يشدد على ضرورة أن تجعل أميركا من خلع نظام الأسد أولوية أهم من مواجهة «داعش».
من جهة أخرى، ترى المجلة أن الاستراتيجية الأميركية تعاني بدورها من جملة من المشكلات؛ إذ رغم أنها ترغب في رحيل الأسد، إلا أنها مترددة في الانضمام إلى القتال في الوقت الراهن، جزئيا لأن النجاح في العراق يتوقف على إقناع الحكومة في بغداد بأن تصبح حكومة وطنية ومستوعبة لجميع أطياف المجتمع حتى تنجح في جذب القبائل السنية المهمشة إلى صفها. ولكن لتحقيق ذلك الهدف، تحتاج الحكومة العراقية لمساعدة إيران، حليف الأسد الأكبر. وعلاوة على ذلك، فإن تعاون أميركا مع الحكومة التي يقودها الشيعة يزيد من صعوبة مهمة الفوز بدعم السنة المرتابين.
الصحيفة قالت إنه يجدر بتركيا أن تتصرف كعضو كامل العضوية في الائتلاف وتستغل المشاعر الحسنة التي يولدها ذلك للتأثير فيه من الداخل، مضيفة أن على أردوغان أن يستعمل قواته لإنقاذ «كوبان» ويسمح لأميركا باستعمال قاعدة إينجرليك الجوية.
من جانبه، تتابع المجلة، يتعين على أوباما أن يشتغل على أمرين اثنين: أولا، أن يعمل على الملف السوري، علماً بأن معظم أعضاء الائتلاف ترغب في رحيل الأسد بسبب الأعمال الوحشية التي ارتكبها في حق شعبه، وبأن روسيا وإيران ألمحتا إلى أنهما ستقبلان بأن تحل شخصية عسكرية أكثر براجماتية محله إذا روعيت مصالحهما واحتُرمت. وثانيا، أن القتال ضد داعش لا يمكن أن يُكتب له النجاح من دون قوات كفؤة على الأرض بغية توجيه طائرات الائتلاف إلى أهدافها، وملاحقة زعماء العدو، وأخذ الأراضي والحفاظ عليها، وهو أمر يقتضي استعمال قوات خاصة بأعداد أكبر وفي مهمات أكثر، إضافة إلى تطعيم الوحدات العراقية المتميزة بجنود من أجل تدريبها وإرشادها.
الاعتراف بفلسطين
ضمن افتتاحية عددها ليوم الأحد، دافعت صحيفة «ذي أوبزورفر»، عشية التصويت في مجلس العموم البريطاني على قرار يدعو الحكومة البريطانية للاعتراف بدولة فلسطين، عن إيجابيات التصويت لمصلحة هذا القرار، معتبرةً أعضاء المجلس سيُمنحون فرصة نادرة لدعم السلام في والعدل في الشرق الأوسط ويجدر بهم أن يغتنموها. فتمرير المذكرة التي تدعو الحكومة البريطانية للاعتراف بدولة فلسطين، وإن كان رمزيا وغير ملزم، تقول الصحيفة، إلا أن من شأنه أن يبعث برسالة قوية إلى المنطقة مفادها أنه حتى في أطول النزاعات وأكثرها استعصاء على الحل، فإن التقدم الإيجابي ممكن عندما يجد الديمقراطيون من كل الأحزاب والانتماءات الشجاعة للعمل دفاعاً عن المبادئ التي انتُخبوا من أجل حمايتها.
وأردفت الصحيفة تقول إن لا أحد يمكنه أن ينفي، بما في ذلك أنصار إسرائيل، أن اعترافا بريطانيا رسميا بدولة فلسطين، سيمثل خطوة تقدمية قوية في الاتجاه الصحيح لأسباب عديدة، منها أن بريطانيا لن تقوم في تلك الحالة سوى بالوفاء بتعهد قديم تتقاسمه مع معظم أفراد المجتمع الدولي تجاه حل الدولتين.
ورغم أن الحكومة البريطانية، المدركة للمعارضة الإسرائيلية والأميركية القوية، من المرجح أن تقاوم مثل هذا الأمر في الوقت الراهن، إلا أن دعم البرلمان للاعتراف بفلسطين له عدد من التأثيرات الإيجابية، ومن ذلك تشجيع عملية السلام المحتضرة، التي فشلت في وقت سابق من هذا العام بسبب الخلاف حول المستوطنات وتبادل الأسرى، وكادت تموت في حرب غزة الأخيرة.
وإلى ذلك، اعتبرت الصحيفة أن من شأن تصويت البرلمان البريطاني لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطين أن ينبه إسرائيل إلى أنه إذا كان حقها في العيش في أمن وسلام كدولة مستقلة مازال يمثل ركنا ركينا من السياسة البريطانية والغربية، فإن تلكؤها الذي يبدو أن لا نهاية له بخصوص مسألة الحقوق الفلسطينية لم يعد مقبولا بالنسبة لجزء متزايد من الرأي لعام البريطاني والأوروبي.
«القتال المنسي»
ضمن افتتاحية عددها ليوم الاثنين، اعتبرت صحيفة «ذي إندبندنت» أنه إذا كان الاهتمام قد انصب مؤخرا على صعود داعش وويلات الحرب في سوريا، فإن البريطانيين نسوا جزءا آخر من العالم حيث تعيث حركة دينية متطرفة فسادا في الأرض: بوكو حرام. فقد مرت ستة أشهر على اليوم الذي قامت فيه هذه الحركة المتطرفة بخطف 276 تلميذة من مدرسة ثانوية في شمال نيجيريا. وبعد ثلاثة أسابيع على ذلك اليوم، أفرج زعيم «بوكو حرام» عن شريط فيديو يفتخر فيه بأن الفتيات سيُبعن في سوق النخاسة. ومنذ ذلك الوقت، تمكنت بعض الفتيات من الفرار في حين قُتل بعضهن، على ما يقال. ولكن الأغلبية مازالت مفقودة، حيث تعيش في الأَسر عميقا داخل أدغال شمال نيجيريا أو على الجانب الآخر من الحدود في الكامرون. وفي ذلك اليوم أيضا قبل ستة أشهر، لقي 88 شخصا حتفهم عندما انفجرت قنبلة في محطة مكتظة للحافلات في وسط نيجيريا، وهي فظاعة تبنت المسؤولية عنها المجموعة نفسها.
الصحيفة تقول إن حقيقة أن بوكو حرام اختفت تقريبا من نشرات الأخبار مؤخرا لا تعني أن التهديد الذي تطرحه قد زال؛ بل على العكس، ذلك أن تطرف الحركات الدينية آخذ في الازدياد في ذلك الجزء من افريقيا، وهو ما يمثل تهديدا إقليميا يؤثر على كل من النيجر ونيجيريا وتشاد والكامرون. وفي ختام افتتاحيتها، دافعت الصحيفة عن ضرورة الوقوف إلى جانب نيجيريا ومساعدتها في مواجهة خطر «بوكو حرام»، قائلةً إن صعود حزب الاستقلال اليميني المتطرف يمثل تحديا لوجهة النظر التي يتقاسمها الأحزاب الرئيسية الثلاثة في بريطانيا والتي ترى أن إجراءات التقشف يجب ألا تطال ميزانية المساعدات الخارجية. ثم أضافت تقول إن ثمة مقولة شعبوية ترى أنه ينبغي التعاطي مع المشاكل في الداخل قبل إنفاق الأموال في الخارج، غير أن انهيار الحكم الجيد وصعود التطرف، حتى في الأماكن التي تبدو بعيدة، يهددنا جميعا، تقول الصحيفة. و«بوكو حرام هي عدونا أيضا».
إعداد: محمد وقيف