يلاحظ المراقب السياسي ازدياد وتيرة العنف والقتل والصراع الدموي الداخلي في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والصومال والسودان وبدء بعض العمليات الإرهابية في الجزائر، وهنالك خلافات وانقسامات في دول عربية أخرى عديدة بسبب الصراع المذهبي أو القبلي أو المناطقي. والسؤال هو: إلى أين يسير هذا الصراع؟ هل سيؤدي إلى المزيد من الانقسام والتمزق، أم سيكون بداية لتغير جذري في خريطة المنطقة؟ وما طبيعة التغير القادم؟ وستشهد المنطقة استمراراً للأحداث الدموية فيها؟ وهل بروز كيانات ومليشيات جديدة ذات توجه طائفي أو قبلي أو مناطقي، سيحل مشاكل العرب المستعصية؟ وهل يستطيع النظام العربي احتواء كل هذه التحديات التي تواجهه؟ وهل المطالبون بالتغيير الذين يرفعون شعارات دينية أو وطنية لدغدغة مشاعر البسطاء من الشعب جادون في تنفيذ شعاراتهم التي رفعوها؛ مثل إقامة حكومة شعبية تمثل المجتمع وتسعى للقضاء على الفساد والمحسوبية وتطمح لإقامة دولة العدل والمساواة؟ وهل تتمزق بعض الأقطار العربية لتصبح مثل النموذج الصومالي، حيث تعصف المليشيات المتعددة بهذه الدولة المنكوبة؟ تلك الأسئلة لا أدعي بأني أملك الإجابة عليها، لكن أوضاعنا العربية ليست سارة؛ فالحرب الأهلية في سوريا امتدت إلى لبنان بتدخل «حزب الله» في سوريا لحماية النظام الاستبدادي فيها، مما دفع بالمليشيات والقوى السورية، مثل «جبهة النصرة» و«داعش» للتدخل في لبنان والسيطرة على عرسال. الحرب الأهلية في العراق بين السنة والشيعة دفعت بالأكراد لاستغلال الأوضاع المتردية ودخول كركوك ومحاولة ضمها إلى دولتهم الكردية المرتقبة، بدلا من أن يشاركوا في إنقاذ الدولة العراقية التي أسهموا في إقامتها وأصبحوا أحد أهم مكوناتها. وفي اليمن دخل الحوثيون من الزيود الذين يشكلون فقط ثلث سكان اليمن، في خلاف مع الحكومة حول تحسين أوضاعهم المعيشية، لكنهم غلفوا هذا الخلاف بالطابع المذهبي واستعانوا بإيران لمساعدتهم. واليوم بعد أن استولوا على صنعاء ورفضوا رئيس الوزراء المعين، بدأت عمليات القتل والتشريد على الهوية بين الشعب الواحد، لتنتعش العقلية القبلية مجدداً ويعود الفاسدون من السياسيين في اليمن غير السعيد. الحرب الأهلية في ليبيا بين الحكومة وتيارات الإسلام السياسي الإرهابية، مزقت هذا البلد. وهنالك احتمال لأنْ تتدخل مصر في خضم هذا الصراع، مما قد يؤدي إلى تدهور الأمور أكثر. والأمر المؤكد بالنسبة لنا أن الكيانات السياسية القادمة التي سوف تصعد على أنقاض ما دمرته من أنظمة لن تنعم بالأمن والاستقرار في داخلها، لأن ما يجمع هذه الكيانات والمليشيات الصاعدة هو الخصم أو العدو المشترك.. ودليل ذلك هو أن العراق تحول إلى كيانات سياسية متصارعة؛ أبرزها الشيعة في الجنوب، والسنة في الوسط، والأكراد في الشمال.. لكن هذه الكيانات الجديدة بدأت تتمزَّق هي الأخرى، فالشيعة أصبح لديهم أكثر من مرجعية ومليشيا تحارب بعضها البعض، وكذلك السنة والأكراد. وينطبق الأمر على سوريا، فالمعارضة السورية التي وحدها رفض نظام الأسد نجدها اليوم تحارب بعضها البعض؛ «الجيش الحر» ضد «داعش» و«النصرة» وغيرهما حتى قبل أن يسقط نظام الأسد. وإلى ذلك يمثل الإرهاب الديني عامل تفتت لأنه لا يملك مشروع دولة، لكن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة اختلف حول كيفية القضاء على إرهاب «داعش» ودحره.. وأخيراً نرى بأن الحل يكمن في إقامة أنظمة ديمقراطية حرة تبعد الدين عن السياسة.