لقد شاهدنا «فيلم الرعب» ذلك من قبل، فالجنرال «مارتن ديمبسي»، قائد أركان القوات المشتركة، أدلى بشهادته أمام لجنة تابعة لمجلس «الشيوخ» خلال الأسبوع الماضي وقال: «إنه في ظل ظروف معينة، ربما يوصي بأن يُرسل أوباما قوات برية أميركية للمساعدة في محاربة تنظيم داعش الإرهابي». وبالطبع كانت عناوين الصحف الرئيسة متوقعة، وهكذا بدا الغضب واضحاً في افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز»، التي قالت: «إنه لا يمكن تفسير ذلك سوى على أنه تراجع عن الالتزام الراسخ الذي قطعه أوباما بأنه لن يورّط الدولة في حرب برّية أخرى بالشرق الأوسط»، مضيفة: «إن إدارة أوباما غيرت توجهها بشكل سريع جداً في وقت قياسي». بيد أن هذه مبالغة كبيرة جداً، فإدارة أوباما لم تتراجع عن أي شيء، وبموجب القواعد، لا يراجع البيت الأبيض الشهادات التي يدلي بها قائد الأركان المشتركة أمام الكونجرس. وبالطبع أخطأ محررو صحيفة «نيويورك تايمز» عندما كتبوا: «إنه من المستحيل تصور أن الجنرال ديمبسي كان يتحدث من بنات أفكاره»، والحقيقة المجردة أنه على الأرجح فعل ذلك. وعلاوة على ذلك، كان «ديمبسي» حذراً عندما أشار إلى اعتقاده بأن المسار الحالي لأوباما، المتعلق بالدعم الجوي الأميركي للقوات البرية العراقية، سيجدي نفعاً، موضحاً أنه في حالة عدم مضي الأمور على النحو المطلوب، فإنه سيراجع الرئيس ويوصي بأن تتضمن المهمة استخدام قوات برية عسكرية أميركية. وحتى إن حدث ذلك، عندئذ ستكون الفكرة هي إرسال مستشارين أميركيين لمصاحبة الجنود العراقيين في ميدان المعركة دون الاشتباك في القتال بصورة مباشرة. ولعل ذلك هو ما يفترض بقائد الأركان المشتركة فعله: إسداء النصيحة العسكرية للرئيس بشأن ما يتعين فعله لإنجاز المهمة. ويبقى الأمر متروكاً للرئيس كي يقبل أو يرفض نصيحته وفق أهدافه الاستراتيجية الأشمل. أو أية أسباب أخرى يراها ملائمة. لكن مخاوف محرري «نيويورك تايمز» في محلها بالطبع، ولن يختلف أي شخص لديه دراية بالتاريخ على ذلك، فقد شاهدنا فيلم الرعب ذلك من قبل، بالطبع في حرب فيتنام، وعلى رغم فرط المقارنات مع حرب فيتنام، إلا أن أوجه الشبه هنا جديرة بالملاحظة. فتورط الولايات المتحدة في تلك الحرب بدأ عندما أرسل الرئيس «دوايت أيزنهاور» أسلحة ومستشارين أميركيين لمساعدة الجيش الفيتنامي الجنوبي في التصدي لحروب الشوارع التي كانت تشنها «الحركة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام» (فيت كونج). وفي عام 1959، بعدما أُطلق النار على ثمانية مستشارين أميركيين في استراحتهم أثناء مشاهدة فيلم، وقتل اثنان منهم، أمر «آيزنهاور» المستشارين، الذين بلغ عددهم حينئذ الآلاف، بمصاحبة متدربيهم في ميدان المعركة. ولم تكن مهمة المستشارين الاشتباك مع حركة «فيت كونج» مباشرة، ولكن قواعد الاشتباك تسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم حال إطلاق النار عليهم. وواصل الرئيس «جون كيندي» تلك السياسة، وأرسل مزيداً من المستشارين، وأنشأ قوة نخبة لمكافحة التمرد من أجل القتال في «تلك الحروب الظلالية» ضد الشيوعيين في الغابات النائية. ولكنه رفض إلحاح جنرالاته لإرسال قوات مقاتلة. ومثل كيندي، ينتاب الرئيس أوباما الحذر إزاء التفاؤل العسكري، لا سيما أنه خاض اختباراً مريراً في أفغانستان، ومن ثم يبدي حذراً شديداً تجاه دخول الغرف المظلمة من دون البحث عن علامات الخروج. ولا تثير تصريحات «ديمبسي» مخاوف كبيرة على المدى القصير. وإذا لم تجد الاستراتيجية الراهنة في مواجهة «داعش»، وهناك فرصة لعدم حدوث ذلك، فلا يبدو من المرجح أن يبتلع أوباما طعم الجنرال ويدلف إلى الظلام! ------------ يُنشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»