من المتوقع، وفقاً لوزارة الاقتصاد الإماراتية، أن ينمو اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة بمعدل يتراوح بين 4 و5% خلال العام الجاري، ويوحي هذا المعدل بأن الاقتصاد الوطني قد تمكن من استعادة عافيته كاملة، وتخلص بشكل كامل من تداعيات الأزمة المالية العالمية، التي طالته كما طالت جميع الاقتصادات حول العالم، وإن كان أقل نسبياً من غيره من الاقتصادات، إذ إن هذه الأزمة لم تتسبب له في خسائر كبيرة مثلما فعلت لباقي الاقتصادات، فهو لم يدخل في موجات انكماشية ولم يشهد اضطرابات مالية أو نقدية ولم يشهد ارتفاعات استثنائية في معدلات البطالة وتسريح العاملين، بل إن ما عاناه الاقتصاد الوطني، لم يتعدّ تباطؤاً في معدلات النمو الاقتصادي وتراجعاً نسبياً في مستويات الإيجارات وقيم الأصول العقارية وهدوءاً في التعاملات المالية والنقدية. وقد تحقق هذا النجاح منقطع النظير لاقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة في ظل السياسات الاقتصادية والمالية الحصيفة والمتزنة التي أقدمت عليها الدولة، والتي حرصت على مدار سنوات وعقود ماضية على استثمار ما هو متوافر من موارد اقتصادية وطبيعية على أرض هذا الوطن، لبناء اقتصاد قادر على مواجهة الأزمات المحتملة، سواء كانت أزمات ذات طابع محلي أو إقليمي أو عالمي، واستيعاب تداعياتها في أقصر فترة ممكنة، وهذا ما تحقق بالفعل، إذ إن الاقتصاد الإماراتي لم يبق طويلاً في مرحلة تباطؤ النمو، بل عاد سريعاً إلى النمو بمعدلات مرتفعة نسبياً في وقت قصير للغاية، إلى أن أصبح من الاقتصادات الأعلى نمواً في العالم في الوقت الحالي. اعتمدت الاستراتيجية التي اتبعتها الحكومة الإماراتية لتحصين اقتصادها ضد الأزمات طوال السنوات الماضية على عدة محاور، أهمها الاستثمار الأمثل للاحتياطيات الوفيرة من النفط والمواد الهيدروكربونية بشكل عام، وتوظيف إيراداتها بشكل سليم، بما يضمن تنويع الاقتصاد الوطني بعيداً عن القطاع النفطي ذاته، من خلال تنفيذ مشروعات تنموية كبرى في القطاعات غير النفطية التي تمتلك فيها الدولة ميزات نسبية، وقد استطاعت قطاعات التجارة، بشقيها الداخلي والخارجي، والسياحة والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والخدمات المالية والمصرفية، ناهيك عن قطاعي البنى التحتية والعقارات، أن تصبح هي صاحبة الإسهام الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، بالإضافة إلى أنها المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في الدولة في المرحلة الراهنة. ثانياً، لم تكن المكانة المحورية لدولة الإمارات العربية المتحدة كمنتج للنفط ومصادر الطاقة التقليدية عائقاً أمامها فيما يتعلق بالتحول إلى طاقة المستقبل، بل إنها خصصت جزءاً كبيراً من إيرادات تصدير الطاقة الأحفورية للاستثمار في مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، وكان هدفها ودافعها الرئيسي في هذا الاتجاه هو تحقيق أمن الطاقة الوطني، عبر تنويع المصادر التي يتم من خلالها توليد الطاقة التي تحتاجها الأسواق المحلية، سواء للأغراض المنزلية أو الخدمية أو الصناعية. وقد اعتمدت دولة الإمارات العربية المتحدة في خططها الاقتصادية والتنموية طوال السنوات الماضية على عدد من المبادئ الأساسية أيضاً، أهمها التوازن بين اعتبارات النمو الاقتصادي الكمي من ناحية والآثار البيئية من ناحية أخرى، كما أنها حرصت على الموازنة بين حقوق الأجيال الحالية من السكان في التنمية وحقوق أجيال المستقبل فيها، وعلى فتح أسواقها أمام الاستثمار الأجنبي من دون شروط مرهقة، وفتحت الباب كذلك أمام القطاع الخاص للشراكة مع القطاع الحكومي في أداء مهامه التنموية، وقد ساعدت هذه الاعتبارات في مجموعها على إخراج نموذج تنموي إماراتي متوازن، وقادر على تحقيق أهدافه من دون قلق بشأن المستقبل.