في الثاني عشر من أكتوبر 1986 بمقر السفير الأميركي في العاصمة الأيسلندية «ريكيافيك»، بدا الرئيس رونالد ريجان حائراً، رغم أنه كان الأكثر تفاؤلاً. كان يجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وارتسمت على وجهه علامات البؤس والأسى، بعد دقائق فقط من فشل التوصل إلى اتفاق مع الزعيم السوفييتي ميخائيل جورباتشوف. ويذكر جيمس كوهن، مساعد الرئيس، أنه لم ير ريجان في مثل تلك الحالة من قبل. ولاحقاً وصف ريجان قمة «ريكيافيك» بأنها حققت نجاحاً كبيراً، وقد كانت كذلك من جوانب كثيرة. لكن في الساعات الأولى بعد انتهائها بدا أن ريجان قد ضيع فرصة لإنهاء سباق التسلح النووي. وتجهمت وجوه الجميع، وخيمت أجواء الفشل في المكان. وكانت القمة واحدة من أكثر اللحظات إثارة وتلقائية في الحرب الباردة. ومنذ ذلك الحين دأب المؤرخون ومؤلفو السير الذاتية والكتاب المسرحيون على العودة إلى ذلك المشهد، والتنقيب في أحداثه، أملا في فهم أفضل للمجريات والتجاذبات التي جعلت من ريجان وجورباتشوف يقتربان من الاتفاق على وقف التسلح النووي ثم ينكصان على عقبيهما. وزادت جاذبية القصة في السنوات الأخيرة بعد إصدار الملاحظات الرسمية التي دونها كلا الجانبين. ويتناول كين أديلمان ذلك التاريخ بإطناب وتفصيل كامل في كتابه الجديد «ريجان في ريكيافيك»، ويشيد بجهود ريجان، قائلا: «في لمحة بصر تاريخية، بعدما وقف ريجان شامخاً في ريكيافيك، انهار الاتحاد السوفييتي، ومن ثم انتهت عقود من الخطر». ويذكر المؤلف: «في تقديري، لم تكن تلكم الأحداث عرضية، وإنما رأينا رجلاً على دراية عميقة وبراعة فائقة بالقضايا الحرجة التي كانت مثارة في ذلك اليوم»، مضيفاً: «وبذلك انتهت الحرب الباردة على النحو الذي قال ريجان إنها ستنتهي عليه، وانتصرنا وخسر السوفييت». وفي وصفه اللحظة التي وقف خلالها ريجان في ريكيافيك يتحدث مع فريق عمله، قال أديلمان: «دائماً ما شعرت بالامتنان لأن أكون في حضرة الرئيس.. وقد أحسست بقشعريرة تسري في جسدي». ويسلط «أديلمان»، الذي حضر القمة بصفته مديراً لـ«وكالة الحد من التسلح ونزع السلاح» الأميركية، الضوء على تأرجح الطموحات والانفعالات، صعوداً وهبوطاً أثناء القمة، مشيراً إلى أن ريجان ذهب إلى القمة بلا دلائل على ما يمكن توقعه، بينما حضر جورباتشوف مستعداً لتقديم تنازلات تفصيلية مغرية، خاصة بخفض ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية ومتوسطة المدى. ونوّه المؤلف إلى أن ريجان قفز على كافة العروض، إذ أنه لطالما أخفى طموحه للتخلص من الأسلحة النووية. وفي لحظة ما أثناء اليوم الثاني، أطلق العنان لكلمات لم يتحدث بها أحد من قبل في قمة كتلك، مقترحاً التخلص من كافة الأسلحة النووية. وأجاب جورباتشوف بالطبع: «فلنتخلص منها إذن»، حسبما أعلن وزير الخارجية آنذاك جورج شولتز. لكن في نهاية اليوم، نصب جورباتشوف فخاً بقوله «إن كافة مقترحاته كانت حزمة واحدة»، وتضمنت تقييد الأبحاث في «مبادرة الدفاع الاستراتيجية» التي كان يرعاها ريجان، وتتضمن نظاما دفاعا صاروخيا، لكنها كانت لا تزال في مراحلها الأولى. وأراد جورباتشوف قصر التجارب على المعمل لمدة عقد كامل. لكن الرئيس الأميركي رفض ذلك، ولم يتوصلا إلى اتفاق. وفشلت القمة بسبب كلمة واحدة هي «المعمل». بيد أن القمة مهدت الطريق لاتفاقيات لاحقة للحد من التسلح. ورغم أن «أديلمان» لم يضف كثيراً من التفاصيل الجديدة، فإن سرده للأحداث يشمل إيماءات مثيرة للاهتمام، إذ يقر بأن عرض ريجان المتكرر بتقاسم «مبادرة الدفاع الاستراتيجية» مع السوفييت كان «سذاجة واضحة». وأثناء القمة، لم يكن «أديلمان» في القاعة التي يوجد فيها الرئيسان، وإنما كان في طابق علوي مع الوفدين الأميركي والسوفييتي، وشارك في مفاوضات ليلية مطولة على مستوى الخبراء. ويصف في كتابه حالة الارتباك وانعدام اليقين التي ظهرت أثناء المفاوضات، مشيراً إلى أنه بينما لم يكن من الواضح ما إذا كان السوفييت يتحدثون عن التخلص من الصواريخ الباليستية أو الصواريخ الهجومية أو الصواريخ النووية، كان ريجان يتحدث عن تخلص الطرفين من الأنواع الثلاثة. ولفت إلى أن جورباتشوف استخدم عبارات مربكة، مثل «القوى النووية» و«الأسلحة الهجومية»، من دون تمييز. وائل بدران ----- الكتاب: ريجان في ريكيافيك المؤلف: كين أديلمان الناشر: برودسايد تاريخ النشر: 2014 ----- يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست رايترز جروب»