مشاعر الغضب والإحباط مازالت تتولد على خلفية إسقاط الطائرة الماليزية، وعن حق. لكن قبل توجيه الاتهام للرئيس بوتين أو وصف ما وقع بأنه حادث مأساوي، من المفيد استحضار حالة طائرة ركاب مدنية أخرى -رحلة الخطوط الجوية الإيرانية 655– التي أُسقطت في الثالث من يوليو 1988، ليس من قبل بعض المتمردين في منطقة متنازع عليها، وإنما من قبل قبطان في القوات البحرية الأميركية كان يقود سفينة «فانسان» الحربية. بعد ربع قرن على ذلك، صارت «فانسان» منسية تقريباً، لكنها مازالت تعيد للأذهان دورها في حادثة تحتل المرتبة السابعة باعتبارها أسوأ كارثة جوية في العالم (الطائرة الماليزية هي السادسة)، وفي واحدة من أكثر أعمال البنتاجون قسوة. الكارثتان تتشابهان من عدة نواح؛ فالطائرة الماليزية دخلت أجواء منطقة تعمها الفوضى في شرق أوكرانيا قرب الحدود الروسية؛ والطائرة الإيرانية دخلت أجواء مناوشات بحرية خلال «حرب الناقلات» في مضيق هرمز. والمتمرد المحتمل الموالي لروسيا اعتقد بأنه يُطلق الصاروخ على طائرة نقل عسكرية أوكرانية؛ بينما كان قبطان البحرية الأميركية «ويل روجرز» يعتقد خطأ أن طائرة الأيرباص الإيرانية مقاتلة إف14. وصاروخ «أرض- جو إس إيه11» الروسي الذي أسقط الطائرة الماليزية قتل 298 مسافراً من بينهم 80 طفلا؛ بينما قتل صاروخ «أرض- جو إس إم2» الأميركي الذي أسقط الطائرة الإيرانية، 290 مسافراً، بينهم 66 طفلا. وبعد حادث الأسبوع الماضي، طرح المسؤولون الروس عدة أكاذيب قصد التستر على مسؤوليتهم وإلقاء اللوم على الطائرة الماليزية؛ ومن جهتها لم تعوض الحكومة الأميركية عائلات الضحايا إلا بعد ثماني سنوات، وحتى وقتئذ، فإنها تأسفت فقط ولم تعتذر. الكثير من الإيرانيين استمروا في الاعتقاد بأن إسقاط الطائرة كان متعمداً؛ إذ وجدوا صعوبة في تصديق أن القوات البحرية الأميركية، بكل ما تمتلكه من إمكانيات وأجهزة متطورة، يمكن أن ترتكب مثل هذا العمل المروع عن طريق الخطأ. وكانوا مستعدين ليصدقوا أن أميركا قادرة على أن تأتي بمثل هذا الفعل الشرير. لا نقصد مما تقدم تبرئة ساحة بوتين من تأجيج الانفصاليين في شرق أوكرانيا، عبر منحهم الأسلحة المتطورة وتدريبهم على استعمالها. كما لا نقصد عقد مقارنات خاطئة بين روسيا في أوكرانيا اليوم وأميركا في الخليج العربي قبل ربع قرن. ومع ذلك فإن قصة «فانسان» أكبر من مجرد جزء صادم من التاريخ المنسي. فهناك أوجه شبه بين اليوم والأمس، ودروس يجب الاستفادة منها. وقبل كل شيء فالأشياء من هذا القبيل تحدث عندما تكون مناطق الحرب والحياة الطبيعة متقاطعة. وعليه، فالأفضل هو تجنب خلط الاثنين، أو على الأقل الإمساك بزمام الأمور بإحكام إذا تعذر ذلك، لأنها تفلت من السيطرة بسهولة. وإلى ذلك، فالأفضل هو الاعتراف بالأخطاء الفظيعة. فأميركا كانت ستخرج من ذلك الحادث بصورة أفضل ربما، في لحظة دقيقة من نزاعات الشرق الأوسط، لو أن ريجان وبوش الأب سارعا للاعتراف بما كان واضحاً للجميع، واعترفا بالذنب وقاما بتعويض الضحايا. وبالمثل، فالمؤكد أن صورة روسيا ستكون أفضل إذا فعل بوتين ذلك الآن. صحيح أن الصورة ليست كل شيء، ومازالت ثمة نزاعات حول السياسات ستندلع. لكن الانخراط في مثل هذا الخداع الواضح لا يؤدي إلا إلى خلق أو تأكيد انطباع بالكذب أو الشر. فْريد كابلان كاتب وصحافي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»