ما عاد هناك من شك في أن الطائرات بدون طيار تحولت على مدى السنوات الماضية إلى وسيلة مفضلة لدى أميركا لمحاربة الإرهاب، لكن هل تساعد فعلا في دعم الأهداف الأميركية في الخارج؟ بالنسبة للاستراتيجيين والخبراء الذين عاصروا الحرب على الإرهاب خلال رئاستي بوش وأوباما، ليس السلاح الجديد سوى أحد الاكتشافات الأخرى التي يحفل بها تاريخ التكنولوجيا العسكرية، والذي بدا لأول وهلة وكأنه الرصاصة السحرية القادرة على تحقيق المعجزات. فالطائرات بدون طيار المزودة بصوارخ فتاكة تستطيع التحليق لساعات طويلة فوق الهدف المحتمل، منتظرة اللحظة المناسبة للقصف، كما يمكنها قتل الإرهابيين المشتبه فيهم بدقة عالية، وإن كان الأمر ليس بنفس الدرجة التي ادعتها وكالة الاستخبارات المركزية في عام 2011 عندما قالت إنها تتم دون سقوط ضحايا مدنيين. والأكثر من ذلك فإن هذا السلاح الجديد لا يعرّض حياة الأميركيين للخطر، حيث يعمل الطيارون من أماكنهم المريحة والآمنة في جيبوتي، أو صحراء نيفادا الأميركية. وبحسب «ميكا زينكو»، من مجلس العلاقات الخارجية، فقد بلغ عدد الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات بدون طيار طيلة الحملة التي بدأها بوش ووسعها أوباما، 1600 ضربة جوية شملت أفغانستان والعراق وباكستان واليمن والصومال وليبيا. لكن لنتخيل ما سيبدو عليه الأمر من وجهة نظر أحد المدنيين العاديين في شمال غرب باكستان، فالرجل يعرف أنه في خطر دائم، وأن صاروخاً قد يسقط على منزله في أية لحظة، كما أنه ليس واضحاً مَن يطلق هذه الصواريخ أو يشن هذه الحرب لأن المعركة والمشاركين فيها يحتمون برداء السرية، والأخطر أنه ليس معروفاً كيف يمكن للمدني تفادي الاستهداف، فإذا كان أعضاء «القاعدة» أهدافاً مشروعة، فماذا عن جيرانهم وأقربائهم، والناس الذين يتعاملون معهم في الحياة اليومية؟ وحتى عندما تسير الأمور بعكس المقصود، ويقع الخطأ، فإنه لا أحد هناك لتقديم شكوى، أو رفع تظلم ضد القصف، فوكالة الاستخبارات المركزية لا تملك مركزاً لخدمة العملاء، فيما الحكومة الباكستانية تدعي أنه لا سيطرة لها على ضربات الطائرات بدون طيار؛ والنتيجة أن القصف بهذه الطائرات قد يكون طريقة فعالة لقتل الإرهابيين، إلا أنه لا ليس الأسلوب الأمثل لتكوين الأصدقاء. تلك هي الرسالة الواضحة التي خرج بها تقرير لاذع صدر مؤخراً عن لجنة خبراء شكلها مركز «ستيمسون» المستقل بواشنطن. ومن أهم ما أشار إليه التقرير أن نجاح حرب الطائرات بدون طيار في قتل بعض الإرهابيين لا يعني أن استراتيجية مكافحة الإرهاب نجحت بالمجمل. ومضى التقرير محذراً من أن «اعتماد إدارة أوباما المكثف على القتل المستهدف كأحد ركائز الاستراتيجية الأميركية لمكافحة الإرهاب، يستند إلى فرضيات مشكوك في صحتها، وينطوي على أخطار تفاقم حالة عدم الاستقرار». فبعد عقد من الحملة الجوية التي تقودها الطائرات بدون طيار، نواجه اليوم عدداً أكبر من المتطرفين وليس أقل، هذا في الوقت الذي يثير فيه الاستخدام الواسع لتلك الطائرات ردود فعل سلبية حول العالم وليس فقط في القرى النائية بباكستان، أو اليمن. يضاف إلى ذلك أن الاعتماد الكبير على تلك الطائرات سمح لوكالة الاستخبارات المركزية بشن حرب سرية لا نعرف من يُستهدف فيها، والأمر الوحيد الذي قالته إدارة أوباما هو أنها تضرب «القاعدة» والمرتبطين بها، لكن -وكما أشار التقرير- فإنه رغم الدقة التي قد يتحراها المشرفون على الضربات، تبدو الهجمات الجوية التي تشنها الطائرات بدون طيار وكأنها «حرب سرية يحكمها قانون سري». والمشكلة مع هذا الاعتماد الكبير على الطائرات بدون طيار أنها قد ترتد على أميركا نفسها عندما تفقد الولايات المتحدة احتكارها لهذه التكنولوجيا العسكرية، فالصين وإيران تعملان على تطوير طائراتهما الخاصة، فيما لا يمكن القول إن روسيا ليست بصدد صناعة طائراتها هي أيضاً. هذا، وحذّرت اللجنة المشرفة على التقرير من أن سهولة استخدام الطائرات بدون طيار قد يجعلها أكثر إغراءً للاعتماد عليها «ما قد يدفع أميركا نحو منزلق خطير ينتهي بتوسيع الحرب ومدها لفترة أطول»، مضيفة أن «الأمر قد يخفض معايير دخول الحرب دون أن يعني ذلك بالضرورة الوصول إلى نتائج جيدة». هذه التحذيرات يبدو أنها وجدت لها صدى ضمن إدارة أوباما، حيث أطلعتني المتحدثة الرسمية باسم مجلس الأمن القومي، «كايتلين هايدين»، الأسبوع الماضي أن الرئيس شدد على مسألة الشفافية في استراتيجية مكافحة الإرهاب، وأيضاً في الأسلوب الذي يتم به ذلك. لكن كل تلك المحاذير لا تعني أن إدارة أوباما ستكف عن استخدام الطائرات بدون طيار، بل قد تلجأ إليها قريباً في الجبهة الأخيرة التي انفتحت في العراق للتصدي لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). -------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»