كثيراً ما كنا نعيب على أمهاتنا وجداتنا احتفاظهن بالعديد من «الكراكيبخروشان» القديمة مثل العلب الفارغة أو الأجهزة المعطلة، أو الملابس المستعملة، وغيرها. لكن مع ازدياد وعينا البيئي، وظهور مفاهيم مثل «إعادة التدوير» و«إعادة الاستخدام»، فإننا نتذكر هؤلاء الأمهات والجدات ونحني رؤوسنا إجلالا لهن لأنهن طبقن تلك المفاهيم قبل ظهور المنظمات والمؤسسات المعنية بالبيئة بعشرات السنين، فقد كن يستخدمن الأجهزة القديمة كقطع غيار، والعلب الفارغة لزراعة الورود والنباتات، وكن ينجزن بعض الأعمال الفنية باستخدام ورق التغليف وعلب الكرتون، وغيرها. لكن نمط الحياة السريع والرفاهية الاقتصادية أدت بنا إلى إهمال العديد من تلك الممارسات الحميدة، فنحن نستبدل هواتفنا المتحركة والحواسيب المحمولة، والأجهزة اللوحية، وغيرها من أجهزة إلكترونية، على فترات متقاربة دون أن نفكر في مصير تلك الأجهزة القديمة وكونها تمثل عبئاً بيئياً كبيراً وبالتالي خطراً صحياً على الأفراد والكائنات. صحيح أن «البعيد عن العين بعيد عن القلب»، لكن للنفايات شأن آخر، فرميها في مناطق بعيدة لا يعني أن ما ينتج عنها من غازات سامة وتسربات في التربة لن يدركنا ويؤثر سلباً على صحتنا. وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى أعلى دول العالم إنتاجاً للنفايات، حيث يبلغ متوسط إنتاج الفرد الواحد في الدولة 2.5 كيلوجرام من النفايات مقارنة بـ 2.1 كيلوجرام في الولايات المتحدة الأميركية و 2 كيلوجرام في كندا. ومن المهم أن ندرك أن إدارة النفايات بكفاءة وفاعلية تعود بالعديد من الفوائد البيئية والاقتصادية على المجتمع. ولاشك أن الرفاهية الاقتصادية للمجتمعات يصاحبها تغير في نمط المعيشة من جوانب متعددة. وأود أن أركز اليوم على اثنتين من القضايا المتعلقة بإدارة النفايات في دولة الإمارات، وهما «النفايات الإلكترونية» و«مخلفات الطعام». تتوقع تقارير حديثة أن ينمو حجم «النفايات الإلكترونية»، وهو مصطلح يطلق على المعدات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية التي يتم التخلص منها، بمقدار الثلث بحلول عام 2017. وتكمن خطورة هذه النفايات في احتوائها على العديد من المواد الضارة التي تتسرب إلى البيئة المحيطة من تربة ومياه، إذا لم يتم التخلص منها بصورة صحيحة. ومن هنا ظهر مفهوم «الحوسبة الخضراء» أو «تقنية المعلومات الخضراء» الذي يشير إلى استخدام تقنية معلومات مستدامة بيئياً من مرحلة تصميم الأجهزة وحتى التخلص منها مروراً بكيفية استخدامها. ويشمل ذلك التقليل من استهلاك الطاقة، ورفع قابليتها لإعادة التدوير والتحلّل. كما تدعو المنظمات البيئية شركات الإلكترونيات لتصميم أجهزة يسهل تحديثها بدلا من التخلص منها وشراء أجهزة جديدة. وتعد النفايات العضوية ومخلفات الطعام من المصادر الرئيسة لإنتاج النفايات في دولة الإمارات، فوفقاً لتقرير صادر عن «مركز إدارة النفايات -أبوظبي» في عام 2011، تشكل النفايات العضوية حوالي 39 بالمئة من إجمالي النفايات المنزلية في إمارة أبوظبي. ومن المفارقات المؤسفة أن ترتفع تلك النسبة لتصل 55 بالمئة أو أكثر خلال شهر رمضان وبعض المناسبات الأخرى. ونحن الآن في بداية شهر رمضان المبارك، أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات. وفي هذا الشهر الكريم، تزخر موائد الإفطار والسحور بأصناف الأطعمة والمأكولات التي لا نستهلك منها نحن وضيوفنا إلا القدر اليسير. ولأننا نتميز بكرمنا «الطائي»، فإن معظمنا يعد طعاماً يكفي لعشرين شخصاً في حين لا يزيد عدد المدعوين عن عشرة أشخاص. والنتيجة أن تكون سلة النفايات مصير الطعام المتبقي. ويجب أن نتذكر قوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31)، وما إهدار الأغذية والأطعمة إلا شكل من أشكال الإسراف والتبذير. كما تنتج النفايات العضوية ومخلفات الطعام كمية كبيرة من غاز الميثان، أحد أشد الغازات الدفيئة ضرراً على البيئة. ولا يسعني هنا إلا أن أشيد بالمبادرة التي أطلقها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بالامتناع عن تقديم مآدب الطعام والاكتفاء بتقديم «الفوالة» في الأعراس والاحتفالات والتي لاقت تجاوباً واسعاً من قبائل الإمارات. فبالإضافة إلى تقليل الأعباء المالية على المقبلين على الزواج، تساعد هذه المبادرة على توفير الكميات الهائلة من الأطعمة التي كان يتم هدرها في الأعراس والحفلات. كما يعد مشروع «حفظ النعمة» الذي أطلق في عام 2005 بمبادرة من سمو الشيخة شمسة بنت حمدان آل نهيان وتشرف عليه هيئة الهلال الأحمر، أحد أهم المشروعات الهادفة للتغلب على مظاهر البذخ والهدر في الأطعمة والمنتجات الغذائية. ويتم من خلال المبادرة إعادة تعبئة وتوزيع الوجبات الطازجة المجهزة بطريقة صحية على الكثير من الأسر المتعففة. وحتى الآن تمّ توزيع أكثر من مليون و350 ألف وجبة طعام كانت ستُهدر إن لم يتم الاستفادة منها بشكل عملي وخيري، إذ يسعى المشروع إلى حث الجمهور على الاستفادة من كميات الطعام الزائدة وعدم هدرها، وفي الوقت ذاته تعزيز ثقافة التبرع بين أفراد المجتمع. ومن المعروف أن تبنّي أي عادة جديدة يحتاج لواحد وعشرين يوماً لتترسّخ فينا، ولدينا الآن فرصة- خلال شهر رمضان المبارك- لإدخال عادات مفيدة على حياتنا تساعدنا على إدارة مخلفات الطعام والنفايات الإلكترونية بطريقة فعّالة. أولا، لابد من إيجاد ثقافة «استهلاكية» صديقة للبيئة تساعد على تغيير عادات المستهلكين السلبية. لكن بداية، نحتاج إلى بلورة آلية جديدة في طريقة تفكيرنا تجاه النفايات. وأفضل طريقة لإدارة النفايات هي عدم إنتاجها من الأساس، فنحن بحاجة لتقييم مدى حاجتنا للطعام قبل شرائه، وبهذا قد نختزل كميات كبيرة من الأغذية التي لا نحتاجها. كما نستطيع التعاون مع الشركات التي تُعنى بجمع الأجهزة الإلكترونية غير المُستخدمة والتخلّص منها بطرق صديقة للبيئة، إما من خلال إعادة تدويرها أو التبرع بها لدول أخرى تحتاجها أو إرسالها إلى شركات التصنيع للاستفادة منها. إن طريقة إدارة النفايات تعكس الوجه الحضاري للبلاد، وكما لصنّاع القرار والمسؤولين دور في تأهيل بنية تحتية للتخلص من النفايات بطريقة كفؤة، لنا، كمستهلكين دور أيضاً في إدارتها والتخلّص منها بشكل عملي وفعّال. وكذلك علينا أن نكاتف الجهود لتعزيز الوعي البيئي لدى جميع فئات المجتمع من خلال توضيح المخاطر التي تحيق بكوكبنا نتيجة عدم الإدارة الكفؤة للنفايات بجميع أنواعها، وأن نعتمد مفهوم إعادة التدوير كأسلوب حياة للمساهمة في إنقاذ الكوكب الذي نعيش عليه. رزان خليفة المبارك أمين عام هيئة البيئة- أبوظبي