تخيل أنك تشاهد رجالًا مسلحين يسحبون إحدى أفراد عائلتك من منزلك لتتعرض بعدها للاغتصاب أو البيع لغرض العبودية الجنسية أو السجن والتعذيب الجنسي. تخيّل حدوث ذلك لعشرات آلاف النساء والرجال والأطفال في بلدك، وعلى مدى سنوات طويلة، والعيش في تلك البيئة الخطيرة المليئة بالأهوال. تخيل شعورك حين ترى أن مرتكبي جرائم الاغتصاب يعيشون دون عقاب. هذا هو واقع ملايين الناجين من العنف الجنسي في مناطق الحروب، والسبب وراء حملتنا. نجتمع معاً نظراً لقربنا من البوسنة، فهناك ما يربو على 50,000 امرأة وعدد غير معلوم من الرجال ممن تعرضوا للاغتصاب خلال أربع سنوات من الصراع. تقع البوسنة في وسط أوروبا التي تعتبر أكثر مناطق العالم استقراراً وسلاماً. لكن مر عشرون عاماً دون تحقيق العدالة لغالبية الضحايا. ويستخدم الاغتصاب كسلاح حرب بشكل متكرر في أيامنا هذه، كترجمة للقوة والرغبة بالسيطرة عنوة على الضحايا وإهانتهم وتحطيم معنوياتهم. وطبيعة الاغتصاب تجعل ضحاياه في حالة دائمة من الانعزال والخوف والعزلة عن المجتمع. وفي بعض الدول يُنظر إلى الناجيات منه كبغايا، وبالتالي يصبحن منبوذات وغير مناسبات للزواج. ودون القبول الاجتماعي بضحايا الاغتصاب، فإن الكثير منهن يدمرهن العار والمعاناة النفسية، ويحملن ندوب جراحهن البدنية. وبدون الاعتراف القانوني بقضاياهن، عادة ما يفتقرن للدعم المالي أو الرعاية الصحية أو العناية النفسية التي يحتجنها لتجاوز التجربة التي مروا بها. وكثيراً ما يكون الضحايا من الأطفال الصغار الذين تتعرض أجسادهم وعقولهم ومستقبلهم لدمار يلازمهم مدى الحياة. وأثر وصمة العار مهلك لدرجة أنها تلتصق بالجيل التالي، سواء أكانوا أطفالا ولدوا نتيجة الاغتصاب أم عائلات الناجين منه. وهذا العيب المحيط بمناقشة موضوع الاغتصاب في مناطق الحروب يفسر كذلك عدم فهم حجم وشدة هذه القضية على نطاق واسع. ومن واقع تجربتنا فكل من يسمع هذه القصص يشعر بثورة عارمة في نفسه ضد هذه المظالم. تقام في أنحاء العالم نصب تذكارية لمن ضحوا بحياتهم في الحروب. ولك أن تتخيل مدى اتساع الصرح اللازم بناؤه ليكون نصباً تذكارياً تدوَّن عليه معاناة كافة الناجين من الاغتصاب في الصراع طوال مئة سنة الماضية. حيث سيلزم حفر أسماء جديدة عليه كل يوم، ذلك لأن هذه الجرائم مازالت تحدث حتى اللحظة بينما تقرأ هذا المقال: في سوريا، وجنوب السودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى.. وغيرها من الدول. لقد حشدنا جهودنا لأننا نشترك بالعديد من القناعات الراسخة: أولا، نحن على قناعة بأن جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي ليست نتيجة حتمية للحروب، بل أحد تكتيكاتها المتعمدة التي يمكن منع وقوعها ومعاقبة مرتكبيها. ثانياً، نعتقد بأن الموضوع الأساسي هنا هو العدالة. ففي كل مرة يتم ارتكاب هذه الجرائم ويقف العالم أمامها متفرجاً، تترسخ سابقة توحي بإمكانية ارتكاب العنف الجنسي والإفلات من العقاب: سواء كانت الضحايا تلميذات مدرسة في نيجيريا أو لاجئات في سوريا. ثالثاً، إنها مسؤولية أخلاقية. فليس بوسع أي بلد القول بأنه يؤمن بحقوق الإنسان ثم يغض الطرف عن جرائم العنف الجنسي في الصراع، والتي تؤجج عدم الاستقرار، وبالتالي يعدُّ إنهاؤها ضرورة أمنية قومية. رابعاً، إذا كان الرجال والأولاد ضحايا للعنف الجنسي، فذلك يحجب حقوق النساء في كل مكان، حيث نقرأ يومياً عن معاناة النساء على أيدي أزواج يسيئون لهن أو عن أنظمة قضائية متشددة بحقهن. وإن كان باستطاعتنا تحطيم مبدأ الإفلات من العقاب على العنف الجنسي في الصراع، فيمكننا أيضاً تعجيل تغيير المواقف تجاه النساء في أوضاع كثيرة أخرى. خامساً، نرفض كلانا اعتبار العنف الجنسي في الصراع بكل بساطة مشكلة كبيرة جداً وشديدة التعقيد بدرجة لا يمكن معالجتها، حيث قيل الشيء ذاته تقريباً عن تجارة العبيد، وعن التجارة غير المشروعة بالأسلحة. فحين يُثار الرأي العام وتعمد الحكومات إلى التحرك، يمكن حدوث التغيير سريعاً. وهناك ما يدل على حدوث هذا حالياً، حيث إن ما يفوق ثلاثة أرباع دول العالم صادقت على إعلان الالتزام بإنهاء العنف الجنسي في حالات النزاع، والذي طرحناه العام الماضي. وسوف نستضيف خلال الأسبوع الحالي، في لندن، ممثلي أزيد من 100 حكومة ورؤساء 8 وكالات أممية وحوالي ألف خبير. وسنطلق أول بروتوكول دولي حول كيفية توثيق جرائم العنف الجنسي في الصراع والتحقيق حولها. فمن شأن هذا البروتوكول، الذي استغرق إعداده عاماً من العمل وكان نتيجة جهود مئات الخبراء، أن يساعد المحققين في حفظ المعلومات والأدلة في أعقاب وقوع العنف الجنسي، وأن يحسن فرص النجاح في معاقبة مرتكبيه وحماية ضحاياه من الصدمات النفسية. وسوف نطلب من الدول تعديل قوانينها حول الاغتصاب والعنف الجنسي بحيث تتماشى مع المعايير الدولية. كما سنطلب خضوع كافة الجنود وقوات حفظ السلام لتدريب يساعدهم على فهم العنف الجنسي في مناطق الحروب ومنع وقوعه. ومن شأن اتخاذ تدابير بسيطة، توفير الإضاءة في مخيمات اللاجئين ومرافقة النساء اللاتي يخرجن لجمع الحطب، أن يساعد في خفض عدد الاعتداءات عليهن، لذلك ندعو لتبني تدابير الحماية البسيطة هذه. وسنحث الدول على عدم العفو عن مرتكبي العنف الجنسي، وملاحقة المطلوبين مثل سيء الصيت جوزيف كوني، قائد «جيش الرب» الأوغندي. كما سنطلب تقديم تمويل جديد لمساعدة الناجين من العنف الجنسي والجماعات العاملة على مساعدتهم، وهم الأبطال المنسيون الذين نعتمد عليهم. ليس هناك قانون يمكن إقراره أو اتفاقية يمكن تبنيها لإنهاء العنف الجنسي في مناطق الحروب بين عشية وضحاها، فهذه قضية تتطلب من جيلنا العمل لتحقيقها. والحقيقة أن الحكومات لن تتمكن من تحقيق ذلك بمفردها، بل إن إنهاء العنف الجنسي في حالات الصراع يتطلب منا كسر القالب المعهود. حيث نريد من الحكومات والأفراد والمجتمع الدولي التعاون مع بعضهم البعض، عبر نموذج جديد لمعالجة القضايا العالمية الكبيرة. باستطاعتنا إنهاء الاغتصاب كسلاح حرب من بين ترسانة الأسلحة الوحشية في العالم، ومعاملة ضحاياه ليس كمنبوذين بل كناجين شجعان.