يقدم الكاتب السوري زياد ماجد في كتابه: «سوريا: الثورة اليتيمة»، الصادر مؤخراً، تحليلاً موسعاً لمختلف أبعاد الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، مستعرضاً بعض ما يكتنفها من ظروف واحتقانات داخلية محلية، وتوازنات ولعبة أمم إقليمية ودولية، متسائلاً عن الدوافع الحقيقية التي تجعل المجتمع الدولي عاجزاً إلى هذه الدرجة عن الاستجابة للتحديات التي تطرحها هذه الأزمة، بما في ذلك عدم تحريك ساكن لوقف المحنة النازفة، ومحدودية التدخلات حتى في توفير الاحتياجات الإنسانية للاجئين والنازحين السوريين. وطيلة السنوات الثلاث الماضية ظل النزيف السوري متواصلاً في أشرس وأعنف أزمة من نوعها على رغم كونها قد بدأت أصلاً بتظاهرات سلمية في 15 مارس 2011 أدت دموية تعامل قوات النظام وجماعات العنف المرتبطة به، إلى تحولها مع مرور الوقت إلى صراع مسلح يدافع السوريون فيه عن أنفسهم في مواجهة عنف طليق ونظام غير عابئ بإرادة المجتمع الدولي بل متحدٍّ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وبين دفتي كتابه الواقع في 160 صفحة يحاول زياد ماجد الإجابة عن أسئلة جوهرية تطرح الآن بإلحاح على نطاق واسع حول الأسباب العميقة التي أدت إلى نشوب الانتفاضة أصلاً في سوريا ضد نظام الأسد، والآثار والتداعيات الإقليمية والخارجية بشكل عام التي أدى التفاعل معها إلى ذلك في سياق مخاضات ما سُمي «الربيع العربي»، والأسباب الخاصة التي جعلت الصراع في سوريا تحديداً يجنح نحو العسكرة بشكل مزمن، ويضرب رقماً قياسياً في ارتفاع عدد ضحاياه من القتلى والمفقودين واللاجئين والنازحين. كما يتتبع أيضاً الآثار السلبية التي خلفها وجود المسلحين المتطرفين الأجانب على الأراضي السورية والدور الذي لعبه هذا المتغير في الإساءة إلى صورة الثورة السورية في عيون الرأي العام الغربي، وخاصة أن نظام دمشق كان هو أول من استثمر وجود جماعات دخيلة على الحراك السوري، لكونه هو المستفيد الأول والأخير من أي تشويه لصورة الثورة الشعبية التي حافظت على سلميتها ومدنيتها لوقت غير قصير. كما لا يغفل الكاتب أيضاً في هذا المقام إبراز مختلف المكونات المذهبية والدينية والعرقية المتعايشة منذ أقدم العصور تحت سقف الوطن السوري الواحد، وما تعرف به الأغلبية السُّنية من اعتدال ووسطية وابتعاد عن كافة أنواع التطرف والعنف والتعصب ضد الآخر المختلف. كما يفكك الكاتب أيضاً الأسباب الحقيقية التي تجعل الروس والإيرانيين مستعدين للمضي في دعم نظام الأسد إلى ما لا نهاية، مؤكداً أنه لولا دعمهم العسكري والدبلوماسي المحموم لكان قد سقط منذ بدايات الثورة. هذا في حين أن معظم من يقدّمون أنفسهم على أنهم «أصدقاء الشعب السوري»، وخاصة الولايات المتحدة، لا يفتأون يسجلون التراجع في مواقفهم، مرة بعد أخرى، حتى عندما استخدم نظام دمشق السلاح الكيماوي ضد المناطق التي يوجد فيها معارضوه، على رغم أن إدارة أوباما ظلت لفترة طويلة قبل ذلك تقول إنها تعتبر «الكيماوي» خطاً أحمر، وإن تجاوزه ستترتب عليه عواقب وخيمة! وفي المجمل، يرى الكاتب أن ثمة أسباباً كثيرة تقف خلف الخذلان الدولي للثورة السورية، وهو الخذلان الذي جعله يصفها في عنوان كتابه بأنها «يتيمة»، مبرزاً في هذا السياق حزمة كبيرة من الأسباب في مقدمتها الخوف المتنامي في الغرب من عدم وضوح البديل عن النظام، خاصة بعد دخول الجماعات المتطرفة على خط الأزمة، وهو ما دفع قوى في الغرب للتفكير بأن النظام -الذي تعتبره مخطئة نظاماً علمانياً- قد يكون في النهاية خياراً أخف ضرراً من وصول جماعات عنف متطرفة إلى دائرة التأثير مستقبلاً في دولة ذات موقع جغرافي بالغ الأهمية والحيوية مثل سوريا. وزيادة على هذا الخوف والتخويف من التغيير في سوريا والنفخ في فزاعة الجماعات المتطرفة، التي تضرر من إرهابها السوريون أكثر من غيرهم، هنالك أيضاً أسباب أخرى ذات صلة بالتوازنات الدولية، وصراعات والمصالح، ومقايضات ومساومات الدول الكبرى، وتراجع الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط كلها لدى العديد م عواصم الغرب المؤثرة في تسيير دفة النظام الدولي، وسيادة نوع من التفسير «الثقافوي» الذي يستند على روية عنصرية وصور نمطية مؤداها أن المنطقة بطبيعتها حاضنة عنف وأزمات دموية عبثية، لا حلول ممكنة لها. هذا فضلاً عن وجود تيار آخر أيضاً في الغرب، في صفوف أحزاب اليسار، يتبنى هو أيضاً نظرية «المؤامرة»، ويزعم وجود يد ما للإمبريالية العالمية فيما جرى ويجري في سوريا حتى الآن. وفي خضم كل هذه الأسباب المانعة لوقوف دولي وغربي جاد مع الشعب السوري يستمر النزيف، ويتساقط كل يوم جديد ضحايا حقيقيون، بسبب تلك الذرائع الدولية الزائفة. حسن ولد المختار ....... الكتاب: سوريا: الثورة اليتيمة المؤلف: زياد ماجد الناشر: سندباد تاريخ النشر: 2014