لحظة صمت رهيبة تلك التي أعلن فيها خبر، نزل كالصاعقة على كل من استمع إليه! بل إن العين والأذن والفؤاد، كادت تتمنى لو أن ذلك ما هو إلا كابوس قادم من بعيد، أو حلم من أحلام الحزن، أو ذلك ما هو إلا خبر يبث من مكان ما في العالم يكن السوء للجميع.
في تلك اللحظة من مساء يوم رمضاني، تسارعت الاتصالات، والكل يتساءل عن ذلك الخبر القادم من العاصمة، وخاصة بعدما تأكد أن هنالك زلزالا قد أصاب أرض الوحدة، الوحدة التي ما تزال قائمة منذ ما يزيد على ثلاثة عقود. وذلك بفضل سواعد من البشر غير عاديين، وقيادة رأت أن البقاء والاستمرار هو في الوحدة، والسيطرة على الذاتي من أجل الجميع. هو الذي رسخ مبدأ إنكار الذات منذ كان في مدينة الأفلاج، حينما أكد على حق الشعب في الماء قبل غيره، وأن الناس شركاء في ثلاث.
ويشاء القدر أن يقود ذلك الشاب زمام دفة السفينة، لمركب تسير في مهب الريح، وفي منطقة تسودها الأطماع والاضطرابات من كل صوب. إلا أن إيمانه وعمله الدؤوب، ورؤيته الثاقبة كانت وما تزال تؤكد على أهمية أن يكون للإنسان مبدأ، وأن يكون مؤمناً أن الحياة تسير دائماً مع الحق والعدالة، وأن الخطوة الأولى هي التي تحدد المسيرة نحو المستقبل الأفضل، وأن الحياة خلقت لسعادة الإنسان، فقرر أن يزيل كل الألغام، وأن يعطي ولا يأخذ ليحافظ على الآخرين.
لقد علمته الحياة القاسية في الصحراء، أن محبة البشر هي الأهم، وأن التواصل مع الناس - سواء الأقارب أو مع غيره- هو الرصيد الباقي إلى الأبد، وأن الثروة قد تزول إلا أن الإنسان هو الأهم، ومتى ما تم إعداده بشكل أفضل يكون المستقبل مضموناً وإلى الأبد.
منذ تلك اللحظة والأب والقائد والمؤسس أكد على أهمية التعليم والثقافة، وبالتالي أكد على أهمية الإنسان. الإنسان المتعلم، والإنسان المثقف، والإنسان الذي يعيش بلا خوف على نفسه أو عائلته أو مستقبله. بمعنى آخر إنسان حر، كريم، تتوفر له كل متطلبات الحياة الإنسانية، فكانت بداية بناء دولة الرفاهية، والأمن والاستقرار، والشعور بالأمان سواء في الحاضر أو المستقبل. وحينما يشعر الإنسان أنه مواطن متى ما أثبت أن الولاء للوطن وليس لشيء آخر، كان ذلك هو بداية الالتجاء الأول نحو القيادة التي أحبها الجميع، بالرغم من اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم. كان زايد هو القائد والإنسان. هو القيادة التي أكدت على أهمية أن يكون الولاء للإنسان، وأن ثقافة الإنسان هي ذلك النبع الذي لا يمكن أن ينضب مهما كانت العوامل.
منذ تلك اللحظة واهتمامات الوالد والقائد منصبة على أهمية الاهتمام بالإنسان المتعلم، وبالتالي بالإنسان المثقف. ولم يكن غائباً عن ذهن ذلك الإنسان الرائع، العلاقة الجدلية بين الماضي والحاضر، وبين مرحلتين من تاريخ الإمارات. ذلك الإنسان العادل أدرك منذ البداية أهمية العلم والعلماء، وأن الاهتمام بالثقافة هو الأساس لخلق الإنسان لمواجهة المستقبل.
إن الإنسان، زايد بن سلطان آل نهيان، هو النموذج للقائد ذي الشخصية الكارزمية. هو ذلك القادم من الصحراء. هو الرجل الذي خلق من الصحراء جنة ومن الإنسان ثقافة تدمج بين الماضي والمستقبل، وبين الأصالة والمعاصرة، إنه ذلك الإنسان الذي سيظل في ذاكرة الأمة إلى الأبد.