في ختام اجتماعهم الطارئ يوم الأربعاء الماضي الموافق 8 أبريل بدعوة من السلطة الفلسطينية حّمل وزراء الخارجية العرب إسرائيل «المسؤولية الكاملة» عن المأزق الخطير الذي تمر به عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بسبب رفضها الالتزام بمرجعيات عملية السلام وإقرار مبدأ حل الدولتين بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك رفضها الالتزام بتنفيذ تعهداتها بإطلاق سراح الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى الفلسطينيين، «الذين اتفُق على إطلاق سراحهم لتوفير مناخ إيجابي للمفاوضات وليس كل الأسرى بطبيعة الحال». وقد تعمدت أن استخدم نص كلمات قرار مجلس وزراء الخارجية العرب لنتبين سوياً درجة «الشدة» في هذا القرار، وخاصة أن الرئيس الفلسطيني قد عبّر في إجابته على سؤال وجهه إليه أحد الصحفيين بعد انتهاء الاجتماع عن ارتياحه لنتائجه، كما أن وزير خارجيته قد عبر أيضاً في المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمعه مع وزير الخارجية المغربي والأمين العام للجامعة العربية عن تقديره للقرارات التي اتخذها وزراء الخارجية العرب. ليست في القرار السابق أي «شدة» بدليل أن العبارات التي تضمنها مألوفة لدينا على الأقل منذ عدوان 1967 واحتلال باقي الأراضي الفلسطينية، وكثيراً ما تتكرر حرفياً اجتماعاً تلو الآخر، والأهم من التكرار الحرفي ما يشير إليه من عجز عن تنفيذ هذه القرارات المتكررة. أما الرضا الفلسطيني عن القرارات فهو يثير الدهشة ولو إلى حد ما، لأنه يعني أن ممثلي فلسطين في الاجتماع لم تكن لديهم بدائل تتجاوز ما نصت عليه القرارات بحيث يخرج ممثلوهم من الاجتماع، فيعبرون من باب اللياقة الدبلوماسية عن رضاهم عما تم لكنهم يردفون بالقول: كنا نتمنى أن تشمل القرارات كذا وكذا... لكن من الواضح أنهم مصرون على المضي قدماً في مسار تفاوضي يعلمون هم قبل غيرهم أنه لن يفضى بهم إلى أي شيء يحقق لهم الحد الأدنى الذي يمكن قبوله من مطالبهم المشروعة وحقوقهم الضائعة، وكذلك أنهم حريصون على الحصول على دعم مالي عربي، كي تتمكن السلطة الفلسطينية من الوفاء بالتزاماتها، وبالفعل قرر المجلس الوزاري الطارئ تقديم مائة مليون دولار شهرياً للحكومة الفلسطينية لهذا الغرض، وهو أمر إيجابي يتمنى المرء أن يتم الالتزام به وإن كانت «التزامات الحكومات» -وجلها رواتب موظفين- تبدو غريبة على حركات التحرر الوطني التي كانت لها هياكل نضالية ولم يكن لها موظفون أو بيروقراطية أو سيارات، ولعل في هذا إشارة إلى أحد المسارات البديلة للحل التفاوضي المزعوم بإعادة النظر في تجربة السلطة والمفاوضات. وبالإضافة إلى ما سبق أكد الوزراء العرب دعم الجهود الفلسطينية للحصول على عضوية جميع الوكالات الدولية المتخصصة والانضمام إلى المواثيق والمعاهدات والبروتوكولات الدولية باعتبار ذلك حقاً أصيلاً أقرته الشرعية الدولية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 29 نوفمبر 2012 والقاضي بالاعتراف بعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة بصفة مراقب. ونص قرار المجلس في هذا الصدد على قيام الدول العربية بتحرك دبلوماسي مكثف على المستوى الدولي، لتوفير المساندة والدعم المطلوبين لهذا التوجه الفلسطيني، وكلف وزراء الخارجية العرب الرئاسة الحالية للقمة العربية (دولة الكويت) والمجلس الوزاري (المملكة المغربية) بتقديم الشكر للدول التي أيدت هذه الخطوة، وتوجيه رسائل إلى الاتحاد الأوروبي وأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، للحصول على مزيد من التأييد للتحرك الفلسطيني، والحق أن هذا التحرك كان خطوة موفقة من الجانب الفلسطيني، لأن المفاوضات الأخيرة المتوقفة حالياً مع الجانب الإسرائيلي ارتبطت بالتزامات متبادلة: من جانب تلتزم السلطة الفلسطينية بعدم التوجه للحصول على عضوية المنظمات الأممية مقابل إطلاق إسرائيل سراح مائة وأربعة أسرى فلسطينيين على أربع دفعات، وعندما أخلت إسرائيل بالتزاماتها هذه بالنسبة للدفعة الأخيرة وعددها ثلاثون أسيراً كان منطقياً أن يفعل الجانب الفلسطيني ما فعل. وميزة هذا التحرك أنه يثبت أن للفلسطينيين بدائل دبلوماسية أخرى ذات طابع دولي وليس مجرد بديل التفاوض الثنائي مع إسرائيل، وكلما حقق الفلسطينيون تقدماً أكبر في هذا الاتجاه تبلور كيانهم على الصعيد الدولي بشكل أقوى وأمكن لهم تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية وثقافية أكثر وبلغ ضيق إسرائيل منتهاه من هذه الشرعية الدولية المتزايدة، غير أنه يجب أن يكون واضحاً أن هذا في حد ذاته لن يعيد أرضاً سُلبت من أصحابها أو مواطناً فلسطينياً لاجئاً إلى وطنه فهذه قصة أخرى. في مقابل الرسالة «معتادة اللهجة» التي وجهها المجلس الوزاري إلى إسرائيل تحدث المجلس في قراراته بلهجة «ودودة» تجاه الولايات المتحدة: فشدد على دعوتها إلى مواصلة مساعيها من أجل استئناف مسار المفاوضات وبما يلزم الجانب الإسرائيلي بتنفيذ تعهداته والتزامه بمرجعيات عملية السلام وفقاً للجدول الزمني المتفق عليه والتعبير عن التقدير للجهود التي يبذلها وزير الخارجية الأميركي في هذا الصدد. والحق أن هذا موقف دبلوماسي متعقل من جانب وزراء الخارجية العرب خاصة وقد بدأ بعض الانتقاد المباشر وغير المباشر يجد مساراً لدى الوزير الأميركي وإن كان قد اعتبر التحرك الفلسطيني للانضمام إلى معاهدات واتفاقيات دولية تصعيداً مقابلاً لنقض إسرائيل التزامها القاضي بالإفراج عن دفعة الأسرى الأخيرة لتوفير مناخ إيجابي للمفاوضات. ومع ذلك لا ينبغي التعويل على المواقف الأميركية في مواجهة إسرائيل، فليست لدينا سابقة واحدة تفيد مضي الإدارات الأميركية في الشوط إلى نهايته سوى موقف الرئيس الأميركي الأسبق دوايت إيزنهاور من عدوان السويس الثلاثي على مصر في أكتوبر/ نوفمبر 1956 عندما أصر على انسحاب إسرائيل من كامل أراضى سيناء وقطاع غزة بحلول الأول من مارس 1957 وهو ما حدث بالفعل. ويبقى تحذير الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية في أعقاب انتهاء المجلس الوزاري الأخير بالغ الأهمية، إذ حذر من مساومات إسرائيل لكسب الوقت والدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين للمماطلة حتى يمكن لإسرائيل تغيير واقع الأراضي المحتلة وهو هدفها الاستراتيجي، وتبقى الكرة في الملعب الفلسطيني بصفة أساسية للبحث في البدائل التي لا غنى عنها إذا أراد الفلسطينيون وأنصارهم من العرب انتزاع الحقوق الفلسطينية والعربية من براثن إسرائيل.